الرأي

بداية نهاية شعار “الكومونة”؟

عمار يزلي
  • 558
  • 3
أرشيف

نهاية سنة غير سعيدة، و”نويل”، بعيد المنال أن يكون هادئا ومسالما في فرنسا.. فرنسا التي لم تعد تعرف كيف تتصرف من كثرة الزحام وحمى الزكام الصحي والسياسي: زكام كورونا المتفاقم مع كل أسبوع نحو موسم البرد والبرَد.. وموسم لقاح القطيع وأنفلونزا الصقيع.. يضاف إلى ذلك، تصاعد موجة الاحتجاجات التي تتأجج كل يوم، مما قد يزيد في صعوبة تنفس سلطة ونظام مزكوم تجاه “الاسلاموفوبيا” وعدوى عداوة الرسوم المسيئة التي فضحتها عنصرية مقيتة صارت تُلاك سياسيا وعلى أعلى مستوى.

ما تعرفه فرنسا في المدة الأخيرة من تصاعد العنف احتجاجا على قانون “الأمن الشامل” في بلد يتغنى بالحقوق الديمقراطية وحقوق الإنسان، مثله مثل باقي الدول الأوروبية والغربية وهي البعيدة عليه عندما يحل الجد.. يُظهر إلى أي مدى يحتقر الإنسان الفرد.. خاصة إذا كان هذا الفرد من لون غير اللون الأبيض.

في عز النقاش السياسي البرلماني حول قانون يمنع نشر “صور رجال الشرطة أثناء أداء مهامهم.. بخلفية غير بريئة”، والذي عليه أن يصوِّت له مجلس الشيوخ ليعود لمجلس النواب من جديد لترسيمه بعد أن كان قد صادق عليه بأغلبية كبيرة، في عز هذا النقاش غير المنتهية ولايته، تأتي صورة عفوية ملتقَطة من كاميرا مراقبة، لتفضح الواقع وتعزز الدافع.. وتربك وجهة نظر من لهم وجهة نظر أخرى غير نظر الصورة التي تفضح كل شيء والتي يراد لها أن “تعمى أبصارها”، حتى لا تظهر الحقيقة وتتجلى أمام العيان (واللي ماعيّانش).. بسن قانون أعمى.. وأصم.

لسوء حظهم، وحسن حظ الشارع الملتهب، الرافض لهذا القانون المناهض لحرية التعبير، التي ينفخ بشأنها ماكرون أوداجه تباهيا أنهم وأنه مع “حرية الرأي” وذلك عبر نشر صور أساءت إلى أكثر من 1.7 مليار مسلم في العالم ولم تسئ أبدا إلى النبي الكريم.. لأنه أسمى منها وأجلّ. اعتبر ذلك “حرية تعبير” وحقا دستوريا “مقدسا” لا يمكن للرئيس أن يمنعه أو أن يدينه حتى.. حتى إذا جاء هو.. كرئيس.. وجاءت صورُه مدنَّسة على صدر الصفحات الأولى في الجرائد التي يدافع عن “حرية التعبير” فيها ومن خلالها، ثارت ثائرته وحرك الأقلام القانونية من أجل “تحريم” و”تجريم” تدنيس صور الرئيس بهذا الشكل المنافي لحرية تعبير وأخلاق إبليس. هذه الأخلاق وهذه الحرية التي نتساءل اليوم أين كانت لما كانت جرائد فرنسا اليمينية العنصرية تُجدِّف في حق خير المرسلين وترسم نبي الإسلام بشكل مزدر ومستهزئ بآلم الملايين في العالم؟ مع ذلك أصر الرئيس إياه على تبرئة “حرية التعبير” وأصرّ على نشر الصور المسيئة للنبي الكريم.. وشن حملة ضد “الكراهية” هو من دشنها وإعلامُه الذي ثار عليه بين عشية وضحاها عندما أصبح هذا الإعلامُ هو ذاته عرضة للمنع والتحريم والتجريم..

هذا ما يؤكد أن النظام الذي بُنيت عليه أباطيل شعارات “كومونة باريس” لم يعد يعاش اليوم في الشارع ولا في المؤسسات ولا في الإعلام.. بل يعشش فقط في أدمغة يمين متطرف بمستوى يمين وسط وحتى يسار وسط.. وفقط اليسار والشعب في عمومه، هو من يحمل راية المناكفة في زمن بدأ العالم كله يتجه نحو التطرف ونبذ الآخر وكراهية كل من ليس مركزيا وأصليا وابن جلد أبيض وعرق قديم.. يظهر هذا جليا في أمريكا ترامب الذي خلط كل أوراق الكلاسيك من السياسة والكياسة وأبان عن ذهنية شريحة واسعة من الأمريكان تحت غطاء جمهوري تطالب بـ”أمريكا أوّلا” ولو كانوا من الملوَّنين الهنود الذين أبادهم أجداد ترامب عن بكرة أبيهم.. وأمهم.

مقالات ذات صلة