الرأي

برمجوك فقالوا..

حسن خليفة
  • 286
  • 2
ح.م

يمكن لكلّ منا أن يلاحظ ما يطفو على سطح حياتنا من مظاهر وظواهر متكثّرة غـريبة عجيبة، بالأخص ما يتصل منها بالطرق الجديدة في طلب الاستشـفاء والعلاج؛ خاصة في ضوء كثرة الأمراض المعنوية النفسية والعاطفية، والخواء والانكـفاء الـروحي الكبير لدينا نحـن المسلمين المتأخرين.

هذه الطرق الجديدة المتفشـية هي تلك التي تأتي عن طريق ما يُسمى “العلاج بالطاقة” وغيرها من التسميات، وهي أنواعٌ وأشكال. ولا تخطئ عين الملاحظ التقاط ذلك الإقبال الرهيب من الناس نساء ورجالا على مثل هذه الأمور، من خلال الدورات، والأمسيات، والتربّصات، ومخيّمات (التأمل)، ومعظمها بأثمان عالية. والإنسان ـ كما هو معروف ـ لا يبخل عندما يتعلق الأمر بصحّته وحياته وسعادته!

الغريب أن كل ذلك يُعقد تحت يافطة كبيرة “البرمجة”، “برمج عقلك الباطن”، “البرمجة اللغوية العصبية”، “برمج حياتك”، “خطط لحياتك”، “طريقك إلى النجاح”… بمعنى أن الأمر كله يتعلق ببرمجة وكأن لسان الحال ..”دعنا نبرمجك” لتحقق ما تريد؟!

السؤال المركزي المطروح، والذي تتفـرع عنه أسئلة كثيرة: ما هو موقف الإسلام من هذه الأساليب العلاجية والاستشـفائية؟ وهل جدّ واجتهد العلماء والدعاة في سبيل بيان الحقيقة الناصعة المطمئنة في هذا الأمر؟ ثم ما هو سبب انتشـار هذا الأمر وغيره مما يدخل فيما يُسمـى “التنمية البشرية”، و”علوم الدماغ”، و”أسرار التشافي والنجاح” إلى آخر المسميات؟

وفيما يتعلقُ بهذه الطرق ومثيلاتها التي زحفت على حياتنا كلها، ومست معظم الشرائح الاجتماعية، وصارت “موضة” قاهرة طاغية، تستقطب وتجتذب الآلاف من الناس.. هل هذه الطرق هي حقيقة فيها ما ينفع الناس، وفيها أيضا ما يكافئ ويعادل إنفاقهم الباذخ عليها؟ وماذا حققـوا بالضبط؟ أم هي تضليلٌ شيطاني رجيم، وتلبيس إبليسي متين، وأقلّه ضحك على المغفّلين والمغفّلات لـ”سرقة أموالهم”وخداعهم ببيع الكلام وأشباه تمارين وتدريبات لا يظفـرون منها ـ عادةـ بأي شيء ملموس؟

كما نلاحظ فالأسئلة كثيرة ومتنوعة، وهي مطلوبة وضرورية للإحاطة بأبعاد هذه الظاهرة التي تكاد تبتلع المجتمع، خصوصا ـ كما قلناـ في ضوء انتشار أمراض العصر كالاكتئاب والقلق، وفقدان الأمان الداخلي والشعور بالفراغ والتوتّر الدائم المزعج.. وإذا أضفنا إليها المشكلات الاجتماعية الكثيرة الأخرى يمكن تخيّلُ الصعوبات والتحديّات التي تواجه الإنسـان في وضع مركّب متأزم مغلق ضاغط.

على أي حال، المسألة الرئيسة في هذه السطور هو التنبيه إلى ضرورة استشعار المسؤولية العظيمة من العلماء والدعاة والمثقفين الراشدين وأصحاب الرأي وأهل العلم والخبرة من ذوي الرسالات.. استشعار المسؤولية بضرورة فتح هذا الملف للمناقشة العلمية الشرعية الموضوعية الرصينة، وأداء واجب التوجيه والنصح للناس حتى لا ينخرطوا، ليس فيما لا ينفع فقط، بل فيما يعود عليهم بالخسـار والإثم والذنب؛ ويوقعهم في الكفر والشـرك؛ من حيث لا يدرون.

المسألة الأولى: من الضروري العاجل الاهتمام بهذه “العلوم” إن كانت حقّا علوما، وفحص وتمحيص ما تقدمه، ودراسة نتائجها وتداعياتها وفوائدها ومضارّها، وتقديم ما يجب بشأنها للناس مما يتعلق بالحقائق التي لا تقبل الشك، مع بيان ما فيها من منافع إن وُجدت.

المسألة الثانية: تتصل بالكشف عن خزائن الخير وطرائقه وأساليبه ومصادره وفوائده، مما له صلة بالعلاجات والاستشـفاءات في المورد الأصلي الأصيل وهو القرآن الكريم الذي جعل الله تبارك وتعالى فيه الشفاء، وسنّة النبـيّ صلى الله عليه وسلـم في هذا المجال أيضا؛ لأنه لو عرف الناس وتيقـنوا وأسلموا قلوبهم ونفوســهم للدين وحقائقـه، وتشـربت قلوبهم على النحو الصحيح عجائب القرآن الكريم ودرره وأشفيته (جمع شفاء) لما مالوا إلى هذا الطرق العلاجيـة المنتشـرة اليوم.

والأمر الثالث: ربما يمكن الجـمع بين بعض ما في هذه الطرق وما في القرآن الكريم من توجيهات وتنبيهات إلى أمور: كالتأمل، والتفكير الإيجابي، وحسن الظن، واليقين، وعدم الخوف، والإيناس بالله، والحبّ (من حيث التعبير عنه وإشاعته في كل فضاء)، والإيثار والعطاء، والإيجابية، والاتزان، وهو مما تدعو إليه ـ ظاهرياـ بعضُ الطرق العلاجية المقترحة.

غير أن ذلك ينبغي أن لا يجعل المهتمّ يغفل عن المصائب الكبرى التي تشتمل عليها هذه الطرق، ومن ذلك تركيزها الكبير على “العقل الباطن”؛ إذ وصل الأمر فيه إلى نوع من التأليه والعبادة، والزعم بأن الاشتغال على العقل الباطن وحده كافٍ لتحقيق كل ما يريده الإنسان. وتأمل الخبث في هذه المسألة من وجهين:

ـ أولا صرف الإنسان المسلم على ذكر الله تعالى واستشعار معيته، ودعائه المستمرّ، واستخارته لربه، مما ينسيه ربَّه عزّ وجلّ شيئا فشيئا، وتلك خسارة فادحة للمسلم والمسلمة، وصرفٌ ذكي وإلهاء عن الأصل وهو ذكر الله تعالى وحُسن عبادته.

ـ وثانيا: صرف جهوده المضنية عقليا ونفسيا وعاطفيا في إجهاد وتعب مضن في مخاطبة شيء غامض ينتهي عادة إلى أفكار كفرية صريحة مثل “العقل الكلي”، و”الطاقة الكونية”، و”الكون” وغيرها من المسميات التي تفنّن فيها هؤلاء، وأحسنوا تقديمها وتزيينها حتى لتبدو “حقائق” ولكنها تتسـرَّب إلى أعماق الإنسان فتجعلـه أبعد فأبعد عن الله، وتقدم له “آلهة” جديدة، فيقصّر في عباداته، وفيما سواها مما أُمر به ونُهي عنه. فهؤلاء يرسّخـون أفكارا معيـنة ثم يقدّمون طرائق وخرائط وأساليب وتدريبات لتنفيذ تلك الأفكار لتحصيل: النجاح، والقوة، والايجابية، والوفرة…. “يتوصلون إلى ذلك بهذا العقل الباطن عبر آليات ذكية فيها العديد من الكفريات والانحرافات.. فإلامَ وإلى أين يؤدّي ذلك يا ترى؟

 الجواب: توصل إلى تشوّيه الصلة الحقيقية المطلوبة القوية بين المسلم والمسلمة وبين المولى تبارك وتعالى، تسقط الأذكار والأدعية ، وما في بابها، تعزّز فكرة الاستغناء عن الله سبحانه وتعالى.

 يقول بعض هؤلاء الذين يُؤلِّهون العقل الباطن: النَّوم يُقدِّم لك المشورة، فقبل أن تنام تأكد أنَّ الذَّكاء المطلق من عقلك الباطن سيوجهك ويرشدك، ثُمَّ انتظر التَّوجيه الذي قد يأتيك في اليقظة، مستقبلك مرسومٌ في عقلك الآن وفقًا لتفكيرك المعتاد ومعتقداتك، سلِّم طلبك لإيجاد الحلِّ لأي مشكلةٍ إلى عقلك الباطن، لاحظ: عندك أيُّ طلبٍ: كأن تريد أن تتزوج، أو تنجح، أو تريد أن تكون ثرياً، أو تريد أن تشفى من مرض، أو تريد ولداً: سلِّم طلبك لإيجاد الحلِّ لأيِّ مشكلةٍ إلى عقلك الباطن قبل أن تنام، ثِق بعقلك الباطن وآمن به” من مقال للشيخ م. صالح المنجد.

مقالات ذات صلة