بلفوضيل قايت!
اجتهد البعض في الأيام القليلة الماضية في الدفاع عن زيارة اللاعب بلفوضيل إسحاق لإسرائيل، وهو لمن لا يعرفه، لاعب من أصل جزائري في التاسعة عشر من العمر، يتقمص ألوان فريق ليون الفرنسي. أما موضوع الاجتهاد، فيتمثل في الدفاع عن اللاعب المغمور جدا، والبحث له عن مبررات تُنهي حالة الجدل القائم حول زيارته للكيان الصهيوني، بل وتصويره فاتحا بيت المقدس، مُريدا الصلاة فيه رغم أنف المحتلين من بني صهيون، فتوهمنا للحظة، أن اللاعب الذي رآه البعض خائنا بالأمس القريب، انقلب بين ليلة وضحاها في نظر البعض إلى مجاهد كبير يستحق التكريم!
- اللاعب المذكور قال أن الإسرائيليين منعوه من الصلاة في القدس، وهي حجّة أراد من خلالها اللعب على وتر الدين كذريعة، أو مطبقا المثل القائل، “وداويني بالتي كانت هي الداء”، فمن تحرش باللاعب الشاب في دينه ووطنيته، ردّ عليهم هذا الأخير بالقول أنه ابن عائلة، يصلي ويصوم، بل ويحاول إقامة صلاته في القدس لولا رفض الإسرائيليين، وتعنتهم!
أكثر ما يثير الاستغراب من قصة التطبيع عند اللاعب المذكور، أو حديث التطبيل دفاعا عنه من طرف البعض، هو تذمر عدد من متابعي شؤون الفريق الوطني لكرة القدم، لكون إسحاق بلفوضيل لن يشق طريقه بعد اليوم نحو الخضر، حتى لو تحول هذا الأخير بقدرة قادر، إلى ميسي جزائري، والسبب، الذي يراه البعض تافها، هو زيارته لإسرائيل، حتى لو كان يعشق مولودية العاصمة، وفتح عينيه بالجزائر، ووالده إطار سابق في الجمارك!
عجيب أن يقوم البعض بتصوير مأساة كرة القدم الجزائرية في المستقبل، أنها تتلخص فقط في ابتعاد هذا اللاعب الكبير من وجهة نظرهم عن الفريق الوطني، وكأن الكرة الجزائرية لا تعاني من آفات أخرى، ولا تشوبها أي فضيحة ماعدا قصة بلفوضيل وزيارته للكيان الصهيوني المحتل؟!
القصة تشبه تماما في عناوينها العريضة، مع بعض الاختلاف في التفاصيل، ما تعرضت له المغنية فلة عبابسة في مطار القاهرة، حين أراد البعض، هنا وهناك، تصوير الأمر وكأنه إهانة مقصودة لبلد المليون ونصف المليون شهيد، أو كأن صاحبة تشكرات، سفيرة فوق العادة، لا بد أن تفتح لها جميع المطارات، ويستقبلها سفراء الجزائر بالأحضان، ويفرش لها الجميع البساط الأحمر، ويرمونها بالورود، أو كأنها تصورت لبرهة من الزمن، أن الثورة المصرية لم تُسقط الفرعون من عرشه، إلا لتعود هي للغناء تحت سقف دار الأوبرا في القاهرة!
من يحاول الضحك على ذقون الجزائريين في زمن استعادة الوعي العربي الشامل؟ من يتجرأ في التحرش بالوعي الجماعي لهذه الدرجة، ويعتقد أننا لسنا أهلا لإدراك تصرف بلفوضيل في الحاضر أو تهمة فلة عبابسة في الماضي غير البعيد؟ لماذا يتذكر هؤلاء أو غيرهم فجأة، أنهم جزائريون فقط في اللحظة التي يحتاجون فيها إلى البراءة، ويتناسون ذلك عند ارتكاب الأخطاء الكارثية؟!
ألم يعد يفكر الجزائريون في الوقت الحالي، سوى في استقدام اللاعب بلفوضيل للفريق الوطني من عدمه، أو في زيارة فلة عبابسة للقاهرة من منعها؟ ألا يوجد في البلاد أمور وقضايا أخرى تستحق التفكير والكتابة والبحث والتدقيق؟