-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بين الدين وأهل الدنيا…

التهامي مجوري
  • 1994
  • 0
بين الدين وأهل الدنيا…

رحمه الله يوما كان للدين قداسة بين الناس، جاهلهم وعصيهم، حيث كان المسلمون عامة ومنهم أبناء الجزائر بجهلهم ومعاصيهم، لا يتعمدون تجاهل الدين أو إهانته، طمعا في عرض زائل من دنيا الناس، او طمعا في رضا أهل الدنيا، أو غفلة عن اهمية الدين في الحياة؛ بل لا تحدث الواحد منهم نفسه بالقفز على الدين، ولعل من امثالنا الشعبية الجزائرية التي توحي بهذا التقدير للدين وقيمه، قول الواحد منهم “تحسبني حرقت حصيرة الجامع”، لما للجامع من مكانة في نفوس الناس، وحتى السارق من الجزائريين لا تحدثه نفسه بسرقة الجامع.

اما اليوم وبعد هذا الانقلاب الهائل في عالم القيم، فسرقة الأحذية في المساجد لا تخفى على روادها، وهي الصورة المصغرة لباقي السرقات التي عمت البلاد منذ سنوات طوال، والتي تحمل في ثناياها صورا اخرى لاختفاء قداسة الدين في النفوس، من ادنى مستوى إلى أعلاه.

لقد لفت انتباهي في الأيام القليلة الماضية ثلاث محطات، تكشف عن تطور خطير في الاستهانة بالدين وعدم تقديره كأمر مقدس قد نعجز عن الالتزام به، ولكن لا نفكر في إهانته، كما هي عادتنا وأعرافنا في التاريخ الإسلامي الطويل.

المحطة الأولى: كانت في تدشين مسجد الشيخ عبد الحميد بن باديس بوهران، بعد ثلث قرن من انطلاق أشغاله، ها هو المركب الثقافي الديني العظيم يدشن وتفتح أبوابه، والفضل حسب المقربين من المشروع، في الاسراع بتشييد هذا الصرح، يعود للرئيس بوتفليقة، الذي زار وهران في سنة 2007، ولاحظ التثاقل في الإنجاز فأعطى الأوامر باستئناف الأشغال التي كانت متوقفة، ومكن القوم من مستلزمات الاستئناف…، فكان ما ينبغي أن يكون قبل سنوات، وأراد القوم ان يعبروا عن شكرهم للسيد الرئيس –لا يشكر الله من لم يشكر الناس- ولكن مبالغات القوم أوقعتهم في مخالفات، أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها إهانة للرئيس أو إهانة لكتاب الله، حيث وضعت صورة الرئيس في مدخل المسجد عند تدشينه على آيات من كتاب الله وهي قوله تعالى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ   عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ  مَا عَمِلُوا..) ، ولم يظهر من الآيات إلا ما ظهر تحت صورة الرئيس وهو قوله تعالى (ليجزيهم الله أحسن ما عملوا..)، وقد أثار هذا الصنيع ضجة بين الناس، ممن لاحظوا هذه “الزلقة”.

ثم هناك أمر آخر، وهو ان الكثير ممن حضروا تدشين المسجد من الذين جاءوا من الولايات المجاورة، إنما جاءوا ليصلوا خلف الإمام السعودي “السديس”، وقد نقل عن بعض الناس أنه ندم على الحضور عندما لم يجد السديس..، وهذه مصيبة أخرى أصيب بها الجزائريون، من الذين يتنكرون لرجالهم ولما بين ظهرانيهم من علماء ودعاة ومصلحين.  

المحطة الثانية: عندما قرر وزير التجارة رفع حظر الترخيص ببيع الخمور، كان موقف وزير الشؤون الدينية والأوقاف في حكم المدافع عن زميله في الحكومة بالسكوت عنه أو بالاعتذار له، بينما عندما جمد القرار، قال وزير التجارة “أنا وزير ولست إماما او مفتيا”، تمنيت لو ان وزير الشؤون الدينية والأوقاف، وقف موقف المدافع عن قطاعه عندما سئل عن قرار الترخيص ببيع الخمور، وقال إن الخمر حرام وكفى، او لا يجوز تيسير استهلاكه بين المسلمين، أو إن الخمر ام الخبائث لما تسببه من مصائب بين أفراد العائلة الواحدة؛ أو إن في ذلك معصية لله، لو قال هذا لكفاه، ولكن ان يبرر فعل زميله أو يقول هو مسؤول عن قطاعه، فذلك لا يعني إلا التهرب من المسؤولية في امر لا يجوز التملص منه. وإذا لم يقل وزير الشؤون الدينية إن الخمر حرام بحجة أن ذلك معلوم لدى المسلمين، فمن يقول ذلك من الوزراء؟ بل كان حري بمعالي الوزير أن يقول ذلك في مناقشة الأمر بين أعضاء الحكومة، وما أظن أن بوزير التجارة بادر بهذا الفعل متمردا عن الحكومة أو بدون علم أعضائها.

المحطة الثالثة: تمثال اين باديس رحمه الله الذي أقامه واضعوه في وسط فسنطينة، تخليدا “للشيخ الخالد” عليه رحمة الله، ولم يراع القوم حكم نصب التماثيل، التي لا يجيزها المحتفى به، ومعروف عنه رحمه الله انه وقاف عند حدود الله وأحكامه في الموضوع، هلا كلف القوم أنفسهم، وبحثوا في رأي الشيخ في الموضوع..؟ ثم لنفرض جدلا أن ذلك جائز.. أليس من العار أن يوضع التمثال بهذه الصورة المهينة للباعث النهضة العلمية الإصلاحية في الجزائر، الشيخ الرئيس عبد الحميد ابن باديس رحمه الله؟ ألم يجدوا صورة أخرى تعبر عن مكانة الشيخ ونشاطه وحيويته، تفرض على الناس احترامه وتقديره، لا سيما الذين لا يعرفونه أو لم يعاصروه؟ اما أن ينصب التمثال، بهذه المناسبة –قسنطينة عاصمة الثقافة العربية-، في مدينة أطلق عليها الشيخ رحمه الله إسم العاصمة العلمية، وهي مدينته..، بهذه الصورة المهينة، لا يمكن ان تفهم بمعزل عن الخط العام الذي يصب في الاستهانة بالدين وقيمه ورجاله التي أضحت عرفا عاما، وسلوكا لاشعوريا عند الخاص والعام.

إن صورة الرئيس رفعت عن الآية أو ترفع بعد انتهاء المراسيم الرسمية، والترخيص ببيع الخمور جمد ولم يلغ، وتمثال ابن باديس رفع من مكانه، ولكن الأمر في مثل هذه القضايا لا ينبغي أن يقف عند التجميد وإزالة التماثيل التي استفزت كل الناس فعبروا عن رفضهم بطرق مختلفة، وإنما لا بد من التحقيق في الموضوع.. هل الذي وضع صورة الرئيس على آية من القرآن، أراد إهانة القرآن أم إهانة الرئيس؟ ام هو فعل عفوي لا نية من ورائه؟ ووزير التجارة عندما أعلن عن تيسير الرخص لبيع الخمور، هل فعل ذلك حرصا على تنشيط حركية التجارة في البلاد؟ ام أنه يريد استفزاز الناس بقناعاته اللادينية، في صورة الحرص على القطاع؟ وقل مثل ذلك فيمن اوحى بتمثال ابن باديس بتلك الصورة الباهتة المهينة.

وقبل كل ذلك… هل يمكن فهم إثارة مثل هذه القضايا الثلاث في شهر واحد.. لا يجمع بينها إلا استبعاد الدين من قضايا الناس ودنياهم، وفرض اهل الدنيا على عالم الدين، أحب أهل الدين ام كرهوا

 

نسأل الله العفو والعافية

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • صمادي سفيان

    فئران تجارب صرنا إنها الحقيقة ، و أسرى كيف؟ صار رجال الدين أسرى القنوات و صار ثلث الشباب أسرى القنوات التواصل وصار الثلث أسرى الملاعب و الملهيات و صارالباقي بين هاؤولاء و هاؤولاء و كل أفكارهم و أهوائهم و أمنياتهم تتداول عبر الفاسبوك يوتوب ....أسرى عرفو نقاط ضعفنا فتكالبو علينا ، هنا و هناك هم أين نحن من هذا ، تمنيت أن كل معلم أستاذ يضع نصب عينيه تلميذ أو إثنين طالب أو إثنين فيورثه العلم و الفطنة إذا تعذر عن إنقاض الكثير حينها يكون الأمل و نصير أحرار ا بمعنى الكلمة ، دوركم هو ذا بالعزم و الثبات .

  • صمادي سفيان

    إنه صبر الأراء و المستفيد معلوم سواء كان هنا أو هناك ، هم يعلمون حرص الجزائريون عن مقدساتهم سواء كانت دينية أو وطنية بل يريدون معرفة النسب المؤوية، التحدي على عاتق المواطن ، كما أعلمك أننا كلنا في مخبر نحن عامة الناس أو خاصته تحت تجارب علمية لمعرفة الداء و الدواء و كيفية التصدي لأي عارض يعيق برامج مستقبلية لأهل الخفاء و لا تحسبهم هنا و هناك بل الكل في واحد و الكل واحد و مفاتيح الرموز بدورها في يد واحدة ما على الجزائريون إلى أن يغيرو ما بأنفسهم قبل نقد الأغيار حينها تحل و تتنزل الرحمات .

  • ابراهيم

    تابع
    قوله تعالى: "ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون"
    وقوله تعالى أيضا في سورة النساء: "ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد من دون الله وليا ولا نصيرا" -حديث مدعم (الغلام) والشملة التي غَلَّهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ خَيْبَرَ . - حديث "إن فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وتؤذي جيرانها فقال هي في النار" أخرجه أحمد والحاكم . -حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة نمام"

  • ابراهيم

    تابع
    2: -نحن شعب الله المختار، قال تعالى: (..إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) الحجرات/13. صدق الله مولانا العظيم. ثالثا: -سيغفر لنا، ولو زنينا أوسرقنا أو قطعنا الرؤوس و... و... .قال تعالى: <<{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} وقال أيضا:<<لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً (123)س.النساء.

  • ابراهيم

    جميع الجرائم المقترفة في العالم ككل وعند العرب خاصة، سببها هذه الإعتقادات الزائغة المنتشرة بقوة. ألا وهي : أولا: -لن تمسنا النار إلا أياما معدودات، قال تعالى :<<ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۖ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)>> س.آل عمران. وقال أيضا:{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ. وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ. يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ. وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ} س.الانفطار. صدق الله مولانا العظيم.

  • Moussa OK

    "كيف بكم أيُّها الناسُ إذا طَغَى نِساؤُكم وفسقَ شبابُكم قالوا: يا رسولَ اللهِ إنَّ هذا لَكَائِنٌ قال نعَمْ وأَشَدُّ منه كيفَ بكم إذا تَركتُم الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عنِ المنكرِ قالوا يا رسولَ اللهِ إنَّ هذا لَكائِنٌ قال نعَمْ وأَشَدُّ منه كَيْفَ بِكُمْ إذَا رأيتُم المنكرَ معْرُوفًا والمعروفَ منكرًا"....حسبنا الله ونعم الوكيل..