الرأي

تحية لِمَن لم يُغادروا بعد

محمد سليم قلالة
  • 1465
  • 7

بِالنَّظر إلى الحالة التي وصل إليها قطاعُ الصحة في بلادنا، وإلى العمل في ظروفٍ صعبة وبإمكانات محدودة للغاية، وبِالنَّظر إلى العدد المتزايد من المرضى وقلة الهياكل ومحدودية عدد المستشفيات، وإلى غياب أفق واضح للسياسة الصحية في بلادنا، ولِشعور الجميع بأن أهل النفوذ وكبار المسؤولين لا حاجة لهم إلى العلاج في بلادهم باعتبار أن باريس أقرب وبها ملائكة التمريض يستقبلونهم بالابتسامات العريضة.. وبالنظر إلى ما نعيشه باستمرار من معاناة مع المواطنين في مستشفياتنا، المكتظة عن آخرها في كل الأوقات، فإني لا أجد من مساحة للأمل سوى أن أوجِّه تحية خاصة إلى كافة عمال الصحة ممن لا يزالون يبذلون الجهد بعد الجهد لإنقاذ ما أمكن إنقاذُه من هذا القطاع المتهاوي، لا نستثني أحدا منهم رغم كل العيوب والنقائص التي نلاحظها هنا وهناك.
أليس من واجبنا أن نُوجِّه التحية لكل الأطباء الاختصاصيين أصحاب الكفاءات العالية والمهارات الكبيرة ممن لا يزالون، إلى حد الآن، ورغم كل الظروف الداخلية، والإغراءات الخارجية، صامدين في وجه الرداءة، يُقدِّمون خدماتهم للمرضى في ظروف عمل أقل ما يقال عنها إنها دون الحد الأدنى المطلوب ليس على المستوى العالمي بل على المستوى الإفريقي؟ جراحون في القِمة، وكفاءات يشهد لها الجميع بالخبرة العالية والجدية والنزاهة والأخلاق، مازالوا قابلين إلى حد الآن العمل في بلادهم، ومع المواطنين البسطاء، رغم إمكانية مغادرتهم في أي لحظة، ألا يستحقون مِنّا الشكر على هذه التضحيات في زمن قلَّ فيه مَن يُضحِّي؟
بل، أليس من واجبنا أن نُحيِّي كل الممرضين والممرضات والعاملين والعاملات، الذين لا يزالون يقاومون الظروف القاهرة والصعوبات التي لا تُحصى، في ظل ضغط عددي رهيب من المرضى نتيجة قلة هياكل الاستقبال ونقص الأدوية ووسائل العلاج؟ أليس من واجبنا أن نَشدَّ على أيديهم جميعا، ونكفَّ عن لومهم على التقصير… بعد أن غابت كل الحوافز المعنوية والمادية وحتى الأخلاقية؟
أظن أنه ليس من حقنا أن نَصُبَّ جام غضبنا على الطواقم البشرية للصحة، رغم ما يُمكن أن يقال في ذلك، لأنهم ببساطة لم يعودوا يعملون ضمن الحد الأدنى من الظروف المواتية، والإمكانات الضرورية، بل علينا أن نرفع أصواتنا عالية تجاه مَن لا يعالجون أنفسهم وأبناءهم وزوجاتهم إلا في الخارج، وأن نقول لهم: اتقوا الله في هذا الوطن، وارحموا شعبه أو شاركوه المعاناة إن لم يكن باليد حيلة.. أما إذا ادَّعيتم الإنجازات العظيمة في القطاع، وتوفر أكثر التجهيزات تطورا، وما يكفي من أَسِرَّة مُهيأة وطواقم بشرية في أفضل حال، فما عليكم إلا اتخاذ قرار علني وصريح يُثبت لنا ذلك، أن عالجوا في بلدكم.. وتوقفوا عن الحجز مسبقا في مستشفيات خارجية، وَقَفَ عليها مَن أحبوا أوطانهم وسعوا لإسعاد شعوبهم.

مقالات ذات صلة