-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تسامحٌ مع المحتلّين العنصريين!

حسين لقرع
  • 1139
  • 0
تسامحٌ مع المحتلّين العنصريين!

مبدئيا، لا أحدَ يعترض على إطلاق جولات حوارٍ جديدة بين الأديان السماوية الثلاثة، فهو أمرٌ مطلوب لتحقيق بعض التقدّم في معالجة الآفات المتفاقمة في العالم، وفي مقدّمتها تصاعد موجة التطرُّف والإرهاب من جهة، والإسلاموفوبيا وصعود اليمين المتطرف إلى سدّة الحكم في أكثر من بلدٍ غربيٍّ من جهة أخرى، وتعزيز فكرة التسامح والتعايش بين أتباع الديانات المختلفة بدل “صراع الحضارات” الذي روّج له المفكّرُ الأمريكي صامويل هنتنغتون، وقد حثّ الإسلامُ على أن لا نجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن.

لكننا نعتقد أنّ المؤتمر الذي نظمته البحرين مؤخرا بمشاركة نحو مئتي شخصيةٍ دينية وفكرية وسياسية بارزة تنتمي إلى الديانات الثلاث، هو مجرّدُ غطاءٍ ديني زائف تحاول هذه الدولةُ الخليجية إضفاءه على التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، من خلال الترويج لقيم “التعايش والتسامح وقبول الآخر” بهدف تسويق التطبيع دينيّا، ومن ثمة إحداث اختراق في هذا الاتجاه على المستوى الشعبي بعد أن بقي التطبيعُ السياسي معزولًا أفقيًّا بين الأنظمة، وبقيت الشعوبُ العربية والإسلامية، حتى في الدول المطبِّعة، ترفضه قطعا.

لا بدّ من التنبيه إلى أنّ هناك خلطا مقصودا بين الديانة اليهودية والاحتلال الصهيوني بهدف التدليس على الناس وإلباسِ الحق بالباطل؛ إذ ليس هناك مسلمٌ يعادي اليهود من أجل دينهم، بدليل أنهم يتعايشون معهم في شتى بلدان العالم التي توجد بها جالياتٌ مسلمة وأخرى يهودية، وليس هناك مسلمٌ اعتدى على يهوديٍّ في أيّ بلد بسبب دينه، وكل مسلم، حيثما وُجد، يطبّق قاعدة “لكم دينكم ولي دين”، لكنّ الأمر يختلف تماما مع اليهود في فلسطين؛ فهؤلاء جاءوا غزاةً مستعمِرين، وطردوا مئات الآلاف من سكانها واستولوا على بيوتهم، وأقاموا دولة على أراضيهم، ومنذ 75 سنة كاملة وهم يضطهدونهم وينكّلون بهم ويرتكبون المجازر بحقهم ويهدمون بيوتهم ويقطعون أشجارهم ويهوّدون مدنهم وقراهم ويُفسدون في الأرض… ما دفع الفلسطينيين إلى إشهار السلاح في وجوههم ومقاومتهم، ليس رفضا لديانتهم اليهودية، بل رفضا لهذا الاحتلال الاستيطاني العنصري الإجرامي، وسعيا إلى إنهائه بأيّ وسيلة، وهو ما تكفله لهم كل الأديان والمواثيق والأعراف الدولية، ولو تعلّق الأمرُ باحتلالٍ آخر لقاومه الفلسطينيون بلا تردّد بغضّ النظر عن دينه.

لذلك نقول إنّ ما تسعى إليه بعضُ الدول العربية منذ تطبيعها في أواخر 2020 إلى الآن، من تسويقٍ لقبول الاحتلال تحت غطاء “التسامح والتعايش” هو دعوةٌ صريحة إلى الاستسلام للأمر الواقع، وإلقاء السلاح، وقبول ضياع فلسطين وتهويد القدس والأقصى، والرضوخ للمحتلين العنصريين…

الإمارات تبني “معبدًا إبراهيميًّا” لأتباع الديانات الثلاث لتجسيد بدعة “الديانة الإبراهيمية المشتركة”، والمغرب تفتح كنيسا في إحدى جامعاتها بالرباط، وتحرص على إبراز “التراث اليهودي بالمملكة” في برامجها التعليمية لمسخ عقول الأجيال القادمة، والبحرين تستضيف مؤتمرا للحوار بين الأديان يروّج لقيم “التسامح والتعايش والوئام والمحبّة”، بهدف حمل الفلسطينيين، وكذا الشعوب العربية والإسلامية، على قبول الاحتلال الصهيوني.. كلّ هذا يندرج في إطار سعي دول “سلام أبراهام” إلى دمج “دولة” الاحتلال بالمنطقة، وباستعمال نصوصٍ دينية في غير موضعها هذه المرة، بعد بترها من سياقها، مع أنّ الإسلام واضحٌ في مسألة التعامل مع المحاربين وغير المحاربين من إتباع الديانات الأخرى، وهو ما تفصِّله بدقّة الآيتان 8 و9 من سورة الممتحنة: “لا ينهاكم اللهُ عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يُخرِجوكم من دياركم أن تبرُّوهم وتُقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظالمون”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!