-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
المشروع الإسلامي

تغيير الاستراتيجيات وتجديداتها

صالح عوض
  • 6166
  • 3
تغيير  الاستراتيجيات  وتجديداتها

جاءت نتائج الإنتخابات المصرية مع كل ما رافقها من تجاوزات إشارة خطيرة ضمن سياق خاص لحضور الأحزاب الإسلامية في المنطقة العربية.. فمن فشل الحزب الإسلامي في العراق والكويت والبحرين وانسحابه في الأردن وإخفاقه في مصر إلى هذا المشهد المدوي في تمكن حزب العدالة والتنمية من التقدم المتواصل في تركيا .

  • هنا لا بد من طرح الأسئلة والتساؤلات بلا تردد.. لأن الموضوع له علاقة بواقعنا العربي ومستقبل أمتنا كما أنه من جهة ما له علاقة بالإسلام، حيث يكبر الغمز عن صلاحية فكرة العودة إلى الإسلام، أو فكرة اقتناع الناس بالحل الإسلامي، أو فكرة استئناف حياة النظام الإسلامي .
    سيحلو للبعض على الطريقة إياها تحميل الأنظمة مسؤلية فشل الحزب الإسلامي من الحضور وهنا بالتأكيد لا نحاول تقليل حجم دور الأنظمة في التزوير أو التضييق.. ولكن حتى لا تأخذنا التغييرات التبريرية بعيدا عن الواقع نطرح سؤال لماذا كانت نسبة الذاهبين إلى صناديق الإنتخابات  في  مصر  متدنية  جدا  لا  تتجاوز  بحال  من  الأحوال  ٠٢ ٪  من  أصوات  من  يحق  لهم  التصويت؟
    فإن قيل لنا أن الناس لا يثقون بالعملية الإنتخابية يكون السؤال الكبير إذا لم يقنع الحزب الإسلامي في شريحة واسعة فمن يحق لهم التصويت في الشعب، كيف إذن سيكون ثقله شعبيا…٠٢٪ تتقاسمها كل الأحزاب المصرية فأين ٠٨ من الذين لهم حق الإنتخابات؟ إنهم غير مقتنعين بمصداقية أحد، ويهمنا هنا من الأحد التيار الإسلامي.. وسياق التحليل يقودنا إلى السؤال هل يعني هذا أن الإسلام ليس لديه قبولا واسعا لدى جماهير الشعب المصري أم أن الحزب الإسلامي لم ينل ثقة واسعة واقتناعا حقيقيا لدى شرائح اجتماعية تحقق ثقلا عمليا في الإنتخابات؟
    لا يمكن أن نشك لحظة في عميق إيمان الشعب المصري بالإسلام وصلاحيته بل ولا نشك لحظة في وعيه العميق بأن الإنتخابات لم تكن (مع الإسلام أو ضده)… هذه نقطة ارتكاز ضرورية لفهم ما حصل كشرط أولي لمقاربات فكرية ومنهجية ضرورية إذا ما أريد للشباب المصري والعربي أن يخرج  من  دوامة  التبريرات  وإحالة  الإخفاقات  على  فلسفة  ( الإبتلاء  والمؤامرة ).
    الحزب الإسلامي ومصر مثالا كبيرا تجمد عطاؤه الفكري منذ عشرات السنين فمنذ استشهاد الإمام حسن البنا أصبحت قضية وجود الحزب باسمه وجسمه هدفا يتقدم على كل الأهداف.. لأن الحزب تعرض لعدوان وظلم كبيرين ومن هنا تشكلت بفعل شحن عاطفي عقيدة الحفاظ على المبادئ وكأن اسم الحزب وشعاراته مبادئا لا يمكن التخلي عنها أو تغييرها أو تعديلها منذ استشهاد حسن البنا دخلت حركة الإخوان المسلمين دائرة الدفاع عن الذات ولم تقدم للمجتمع وللمسلمين أي فكرة جديدة ولولا جهود المفكر الشهيد سيد قطب في كتبه الأخيرة لكان يمكن القول إن الجمود الفكري  مطبقا ..
    الذي لم يعرفه الإخوان المسلمون كحزب أن الحياة لا تعرف الجمود ولا تعرف الفراغ وأن التاريخ لا ينتظر أحد.. ولم يعرف الإخوان المسلمون وبالذات في مصر أنهم كجماعة إسلامية أدت وظيفتها بتلك الصفة كاملة تقريبا بمعنى إيصال فكرة عودة الإسلام إلى شرائح واسعة من شبيبة البلد أي أنها جعلت من خيار العلمانية المتوحشة خيارا ضئيلا لا قيمة له، ولكن كان ينبغي أن تنتهي الجماعة كحزب تربوي بنائي… وأن تنتقل الجماعة إلى وضعية جديدة وبشخصية جديدة واستراتيجية جديدة تكاد تختلف إختلافات كبيرة وجوهرية عن الإستراتيجية السابقة.
    كان من المفترض أن تكون جماعة الإخوان المسلمون قد قررت أنها حققت أهدافها كجماعة وحزب إسلامي في تحسس الناس أنهم مسلمون وأن الإسلام كذا وكذا بعد ذلك يجب النظر للمجتمع بشرائحه المتنوعة وأفهامه المختلفة وطبيعة طبقاته واحتياجاته وأهدافه ومصالحه السياسية والأمنية  والإقتصادية .
    بمعنى أن تقرر جماعة الإخوان أن مرحلة تاريخية في عمرها قد انتهت، وأنها الآن إزار مرحلة جديدة. ففي اللحظة التي تصبح فيها الدعوة إلى الإسلام دعوة للحزب تكون هذه اللحظة فارقة استراتيجية بين مرحلتين ينبغي إعلان أن الحزب انتهى وجوده وشعاره وطقوسه للإنتقال إلى مرحلة أخرى هي مرحلة مشروع المجتمع والدولة.. ولهذه المرحلة استحقاقات مختلفة كما أن لها أهداف مختلفة، تكون حاجات الناس ومصالحهم هي عنوانها وهكذا يكون العمل منذ لحظة التأسيس الأولى في المرحلة التالية مبنيا على معطيات جديدة من الضروري أن تفتح الباب لكل معني بها،  وهنا  تتشكل  أطر  سياسية  جديدة  لأهداف جديدة  من  أجل  إنجاز  مشروع  المجتمع  كل  المجتمع  والدولة  كل  الدولة .
    بمعنى أن تتخلص الجماعة من الحزب الأيديولوجي وتتجه إلى تشكيل الحزب الوظيفي معلوم المهمة محدد الأهداف… وهذا يعني أن يتبنى الإطار الجديد قضايا الناس الإقتصادية والسياسية والإجتماعية وأن يكون ذلك من خلال رؤية شاملة تجد قبولا واسعا لدى العقلاء والمخلصين النابهين وأن ينخرط في الدفاع عنها شرائح وأشخاص من مشارب متنوعة وأن تترجم هذه الرؤية في برامج عملية واقعية منهجية. تتم الدعوة إليها وشرحها للناس ودعوة الناس للوقوف معها كبرامج لإنقاذهم من الهوان والفقر والجهل والمرض والتخلف لأن ذلك هو جوهر رسالة الإسلام قال تعالى: ”فأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”، وقال سبحانه: ”وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” ولا يمكن الإستمرار في الحديث حول تغيير الإستراتيجيات وتجديد المهمات دون الإلتفات إلى التغييرات الإجتماعية بل والإنقلابات التي مست ترتيب الطبقات وأحجامها في المجتمع، كما  افرازاتها  المعنوية  والثقافية … وفي  السياق  نفسه  يصبح  إدراك  الواقع  الدولي  والإقليمي  ومعطياته  نقطة  ارتكاز  ضرورية  للتفكير  الجاد  ببرامج  حقيقية .
    وإذا كنا مدفوعين بحكم الضرورة لنفض الغبار عن عناصر وعينا وجملتنا الثقافية فإننا ملزمون بإدراك أن الأمة العربية والإسلامية إطارنا الحضاري والجيوسياسي واستحضار ثرواتها وأسواقها في رؤيتنا للنهوض بإقليمنا مسألة لا يمكن تجاوزها.
    إن جماعة الإخوان المسلمين أكبر التنظيمات السياسية في الوطن العربي وهي ليست ملكا لمكتب الإرشاد ولا لقيادتها إنها ملك للأمة وخيرها للأمة وشرها على الأمة… لهذا ينبغي أن يدرك أبناء حركة الإخوان المسلمين ضرورة أن يفتح الباب لسماع المنتقدين من خارجها، كما أن على  المفكرين  الملتزمين  بقضايا  أمتهم  ( خارج  جماعة  الإخوان ) أن  لا  يترددوا  في  توجيه  النصح  والنقد  بل  والصراخ  أحيانا .
    إن الوقت قد حان بعد أن مضى أكثر من ٠٨ عاما على ميلاد الجماعة وبعد عشرات الإخفاقات والمعارك غير المفيدة والتحالفات المخلة والمسألة تحتاج إلى شفافية ووضع المصلحة العليا للإسلام والأمة على رأس الإهتمامات.
    إنه  من  الصعب  تلقي  الدعوة  لتغيير  الإستراتيجيات  وتجديد  أو  استبدال  المهمات،  ولكن  الأصعب  منه  أن  يستمر  المسير  في  الطريق  نفسه  دونما  تقويم  وتعديل  وتصحيح .
    إننا أمام تحد وجودي للمشروع الإسلامي المعاصر.. فإما أن يتحدى ويغيّر في استقلال عمله ويجتهد لامتلاك رؤية واعية واسعة.. وإلا فإن الحياة لا تعرف الفراغ.. ستنشأ قوى اجتماعية سياسية تكون أصيلة في تمسكها بقيم الإسلام وشريعته، ولكنها متسعة للهم الإنساني الواسع وتبني  خطتها  من  أجل  الإنتصار  وليس  ( الإبتلاء )… لأن  البعض  يتخيّل  بأن  الإنتصار  ليس  ابتلاء .. وهكذا  يصبح  واضحا  أننا أمام  تحديات  لا  بد  من  إصابة  عملية .. ولكن  هل  من  مستمع؟ !
     
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • محمد

    سيدي الكريم أفهم من مقالك أنك لاتعرف حركة الإخوان جيدا لأنك تغرد خارج سربها ولك الحق في أن تقول ماتشاء

  • mohammad

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    ليس من السهل ان مقارنة المنظومة والفكر في دولة عربية بدولة غير عربيه ولكن السهل الممتنع الذي فمهمه المواطن العربي كثرة المتاجرة بالمصائب الشعبية من قبل جميع الاطراف وخاصة بالطعنة الحزبية الاسلامية التي ادعت في الظاهر الاسلام و خدعت نفسها اولا واخراوجرت وراء مصالحها ورغم ذلك لايعني الا انها احسن السيء ولكن السيء عم نظام الحكم العربي ولاصلاح المنظومة ككل فان الحال لايراوح مكانه

  • K

    السلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته
    سيدى ان امتناع الناس عن الذهاب الى الانتخاب مفهوم وهو لا يحتاج الى فلسفه او تحليلأت معمقة
    مثلما فهمت الانضمة ان سر العملية هو الاستحواذ على القائمين على العملية ايى الاعوان الذين ينضمون عملية الانتخاب كذالك قد فهم الشعب او اشعوب المسلمة ان لا تقدم خدمة لهذه الانضمة على الاقل فيما يخص النسبة الماويه التى تقدمت للانتخاب ومعا ذالك التزوير يشمل كل شئى سواءا فى النسبه او المنسوب
    اما باقى المقال فهو رائع وشكرا لكم سيدى