الرأي

“تلك الأيام” التي لا يريدون لها التداول!

أرشيف

تابعت بكثير من الحيرة والحسرة، مقاطع مطوّلة من مسلسل أنتجه مجمّع “الشروق” منذ بضعة أشهر، بعنوان “تلك الأيام”، ورفضت الوصاية بثه بحجة الإساءة إلى الدولة، ولم أفهم سببا واحدا لهذا المنع، غير أن بعض الأطراف في الجزائر لم يكفها أنها حرّمت على نفسها الإبداع، فحاولت أن تنقل العدوى إلى بقية الناس، عبر حقن تنويم، لا تبقي من الذكاء ولا تذر.

قد تكون آفة الغيرة، من الأمراض النفسية، التي نجد لأصحابها بعض الأعذار، ولكن أن يصل الأمر إلى درجة منع الجزائريين من الاجتهاد ومعاقبتهم، فذاك ما يعني أننا وصلنا إلى مستوى تغييب العقل نهائيا.

لقد اعتمدت وزارة الثقافة وهي تشرع في إنتاج فيلم عن الداي حسين الذي يروي حقبة مهمة من تاريخ الجزائر، على الممثل الفرنسي “جيرار ديبارديو”، ومنحت الجزائر في ستينيات القرن الماضي، المال الكثير لإيطاليين شاركوا في تشويه الثورة الجزائرية، عبر فيلم “معركة الجزائر” الذي قدّم مجاهدين يسكنون المواخير، ويفجرون القنابل في الأسواق العامة وقاعات الشاي، وأغدقت بمالها و”كرمها” على فنانين وممثلين من مصر، ما لبثوا أن قذفوا الشهداء ورموا بـ”التكريمات” التي انتزعت من لقمة عيش البسطاء وحوّلت إليهم، ولا تجد حرجا في منع تقديم مسلسل في رمضان الماضي، يحاكي الواقع الجزائري ويقدمه في قالب راق، من حيث قوة الصورة والنص، حتى لا يبقى الجزائري مُستعمَرا في ثقافته كما هو مستعمر في مأكله ومشربه ومركبه ومسكنه.

هناك من يرى بأن الجزائر أخذت نصيبها من الربيع العربي، قبل غيرها من البلدان، وهناك من يظن أنها بنت ديمقراطيتها، وقبلت بالرأي الآخر قبل غيرها من الأمم، ولكن عندما نعلم بأن الفنان السوري دريد لحام قدّم مسلسلات “فقاقيع والدغري” ومسرحيات “غربة وكاسك يا وطني”، في عز “ديكتاتورية” الرئيس الراحل حافظ الأسد، ونعلم بأن الفنان المصري عادل إمام قدم مسرحيات “شاهد ماشافش حاجة” و”الزعيم” وأفلام “الجحيم واللعب مع الكبار” في عز “ديكتاتورية” حسني مبارك، نتساءل عن السبب الذي يجعل بعض الأطراف عندنا-  لحسن الحظ البعض فقط- يسارعون إلى تشغيل مقص رقابة، لم يكن موجودا أبدا في تاريخ الأعمال الفنية في الجزائر، بدليل أن الناس في زمن الحزب الواحد، كانت تهرب إلى بعض الأعمال الفنية لأجل أن تستمع إلى ما عجزت هي عن قوله، خاصة أن الجزائر كانت المنفى الفني لكثير من الشعراء والفنانين العرب والأفارقة، الذين أغلقت الأبواب في وجوههم فكانت الجزائر خيارهم، ومنهم مارسيل خليفة ومريم ماكيبا وكرم مطاوع.

لقد أقرّ الله أن الأيام لا يمكن أن تبقى ثابتة في قوله في سورة آل عمران: “إن يمسسكم قرح فقد مسّ القوم قرح مثله، وتلك الأيام نداولها بين الناس، وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين”، ولكن بعض الناس يريدون أن تبقى الجزائر مستعمرة في مأكلها وفي ثقافتها ويرفضون أي اجتهاد، ويفتحون ببعض الممارسات، الباب مشرعا لأجل ترك البلاد، التي فقدت في ظرف وجيز أكثر من سبعين ألف جامعي ومثقف، حسب إحصاء رسمي قدّمه المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي.

مقالات ذات صلة