-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ثمن الاشتهار.. بأي ثمن

عمار يزلي
  • 1073
  • 2
ثمن الاشتهار.. بأي ثمن

يبدو أن تكنولوجيات الاتصال الحديثة التي أريد بها دمقرطة المجتمعات غير الناضجة ديمقراطيا، كان ولا يزال الهدف منها تثوير المجتعمات على غرار ما أقدمت عليه إيديولوجيا “تحضير المجتمعات المتوحشة” عن طريق الاستعمار. فإذا غاب وخاب الاستعمار المباشر، حضر الاستعمار عن طريق الاستثمار. هذا ما يمكن استنتاجُه من نقل تكنولوجيات الاتصال، بقت لسنوات وأجيال طيّ السرية والكتمان والوظيفة العسكرية. نتحدث هنا عن الأنترنت أصلا. وسائل التواصل الاجتماعي سُمِّيت هكذا بغرض التواصل الاجتماعي، لكن خلفيتها كانت زعزعة استقرار الشعوب “غير المتحضرة”، وتفجير ثقافاتها المحلية وعقائدها من الداخل عن طريق الإبهار وحب الشهرة والاشتهار وعمْي الأبصار.

اعتمد النظام الرأسمالي في الغرب، ومنذ الثورة الصناعية، على مبدأ التوزيع وإشباع الحاجات الاستهلاكية لضمان أكبر للربح. هذا المبدأ الرأسمالي بامتياز، دفع إلى ابتكار كلّ أشكال التوصيل والإقناع وعرض البضاعة والمنتَج الصناعي والثقافي والفني إلى عموم المستهلكين والترويج له عبر كل أشكال ووسائط الإقناع والإثارة والترغيب والحثّ والتحفيز. ولأن الاستهلاك يتطلّب المعرفة بالشيء، ومعرفته تتطلب مشاهدة الشيء بالعين؛ أي بالرؤية المقرِّبة من المادة أو عن طريق صورة الشيء، ولو كانت هذه البضاعة إنسانا، يمثِّل قيمة تسويقية (إنتاج المشاهير والنجوم الفنية والرياضية). فالصورة قد تغني عن الشيء لسهولة تسويقها على نطاق أوسع، حيث لا يمكن للمستهلِك أن يرى الشيء ويلمسه أو يرى نفسه أو بضاعته.

مفهوم “المشاهدة” visibilité، الذي هو عنوان الإشهار والإبراز في العالم حاليا، لم يعد له ذلك الوجه الأوحد الإيجابي في الغرب والعالم اليوم. كثيرٌ من علماء الاجتماع والفلسفة، حوّلوا هذا المفهوم إلى حقل بحوث في آثار الاعتماد على نسبة المشاهدة كمقياس للنجاج الاعلامي والاقتصادي الإشهاري والسياسي أيضا، إذ بدأ هذا المفهوم يناقَش ضمن الأخلاق العلمية والعامّة وهذا من خلال طرح فكرة “أن ليس كل ما يشاهَد أكثر هو بالضرورة الأحسن والإيجابي”، مما جعل فكرة أخلقة التحايل على المشاهد والمتلقي تتحول إلى إشكالية ضمن الحقل الفكري الغربي الذي أفرزت الحداثة هذا المعيار كما أفرزت معايير أخرى، لم يكن المدافعون عنها أقل من الرافضين لها ومنهم “آكسل هونيت”، عندما تشير إلى أنه “حقيقة، ليس هناك اعترافٌ من دون مشاهدة متبادلة، لكن هذا لا يعني أن ذلك ضمانٌ بالاعتراف”.

هكذا، صرنا نقيس قيمة الأشياء بمدى مشاهدتها مهما كان نوعها؛ فرأس المال لا يهمه النوعية بقدر ما يهمه التوصيل والتسويق والبيع والربح في آخر المطاف.

عندما نجد اليوم من يحاول أن يساند ويستنصر لصناع التأثير المتورِّطين، بسبب قلة الفهم والوعي واندماجهم في عالم الإنترنت والتواصل غير المحدود والنجومية الخادعة والشهرة الزائفة، نجدهم يجدون لهم مبرِّرا كونهم “هم أيضا كانوا ضحية”. نتعاطف مع الغبيّ عندما يستغبى مع أنه كان يدّعي أنها أذكى وأعرف وأشهر من نار على علم.. الشهرة بلا ثمن.. لها في الأخير.. ثمن.

عالمنا اليوم، نحن المقلّدون للغرب في كل الأشياء غير الناضجة والعفنة، هو عالمٌ إلى زوال ومعه ما نملكه من رصيد مقاوماتي يمنحنا القوة على التصدي. هذا الإنمحاء والتردّي الثقافي بسبب التحوّلات السريعة التي تربك كل القيم الموروثة، هو عالمٌ مكوَّن من فراغ وخُدع يقوم بإفراغ المحتويات من محتوياتها عن طريق جيل فارغ الذهن، مستلب العقيدة، يعيش حالة انفصام، يعيش الوهم قائما وهو قاعد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • عبود

    يا أستاذ، الأسباب حسب رايي هي: - 1- استقالة الأولياء و تركهم أولادهم بلا رقيب و لساعات طويلة أمام التلفاز. و الطامة الكبرى هي شرائهم لهواتف ذكية لأولادهم و تركهم لوحدهم على الانترنت، دون تحذيرهم من مخاطره و دون حتى تثبيت برامج تصفية المواقع و المحتوى الضار أو تسجيل نشاط الأطفال على الانترنت ثم مراجعتها لاحقا، و هذا رغم وجود المئات من برامج المراقبة. -2- البرامج المدرسية الغير ملائمة و السطحية في أغلبها.- 3- القنوات التلفزيونية التي أغلب برامجها تافهة يقدمها أناس لا يفقهون سوى التهريج. أين البرامج الثقافية و العلمية الصينة -4- الصحف التي تجري وراء الاأخبار المثيرة. أبحث كم عدد الصفحات الثقافية و العلمية في جرائدنا و ستفهم.

  • ديدوش مراد

    1- دعم الفلاحة وبجد وليس عبثا . 2- السياحة : البني التحتية خاصة 3- اطلاق مشروع الطاقة الشمسية المهم لبلادنا . 4- محاولة مراجعة قانون الضرائب لانه عرقل ويعرقل سيرورة الاقتصاد الوطني ووصول الاستثمارات الاجنبية . بالتوفيق للجميع وزراء ومسؤولون عليكم فقط بقليل من النزاهة والمصداقية والعمل والاجتهاد يا سادة . شرفوا انفسكم لان التاريخ لا يرحم وكذلك رب السماء . الجزائر وشعبها امانة عندكم فاحذروا .