-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جريمة دولية في حق الانسانية

حبيب راشدين
  • 1505
  • 4
جريمة دولية في حق الانسانية

عند الامتحان يُكرم المرء أو يهان، ولأن الغرب دخل لأول مرة وبجدية في امتحان جاد لمواقفه العقائدية الرئيسة في ملف التعامل مع حقوق الإنسان والتعايش مع الآخر، والانفتاح من دون خوف على ثقافات منافِسة كانت تُرفع كشعارات براقة في الخطاب الليبرالي الغربي على امتداد المائة سنة الأخيرة، فقد دخل الغرب في أزمة هوية غير مسبوقة، تتسابق فيها نخبه السياسية والفكرية من اليمين واليسار لهدم ركائز الليبرالية دون حاجة إلى مناولة من الباطن لعدو من الخارج.
لقد عرى ملف التعامل مع الهجرة والحضور المتزايد لجاليات مسلمة عورة المجتمع الغربي الذي بدأ ينتكس نحو مزيد من العداء المَرضي للغرباء، وانبعاث سلوك فاشي كان بعضهم يعتقد أنه قد قُبر مع إلحاق الهزيمة بقوى المحور النازي الفاشي في الحرب العالمية الثانية، ولم تعد فرنسا بلد “إعلان حقوق الإنسان” وهي تغلق حدودها أمام المهاجرين من إفريقيا والشرق الأوسط وتتصدر نخبُها التضامن الأوروبي لحماية القارة العجوز مما يسوَّق على مدار الساعة على أنه خطرٌ داهم يهدد الحضارة الإغريقية اليونانية والجنس الأوروبي الأبيض بالانقراض، وتباشر التفكير في إنشاء مراكز فرز عرقية بالقارة السمراء تذكرنا بمراكز الفرز التي كانت تقام حتى أواسط القرن الثامن عشر على السواحل الافريقية قبل شحن العبيد نحو العالم الجديد.
وفي الوقت الذي تحركت فيه الآلة الإعلامية الغربية الرهيبة لتتهم تارة الليبيين بممارسة تجارة العبيد مع الوافدين من دول الساحل، ولم تتردد وكالة أنباء عالمية في تركيب روبورتاج ملفق يتهم الجزائر بالإساءة للمهاجرين الأفارقة والدفع بالآلاف منهم إلى التيه حتى الموت بالصحراء الكبرى، تابع العالم يوم الاثنين كيف لم تتردد سلطات مالطة وللمرة الثانية في غضون أسبوع (بعد حادث منع سفينة لايف لاين) في منع سفينة إنقاذ من مغادرة الميناء، ما تسبَّب في هلاك أكثر من 200 مهاجر في عرض البحر ساعات بعد انتهاء القمة الأوروبية التي خُصِّصت لمعالجة ملف الهجرة واقتسام أعبائها.
في مواجهة التدفق المستمر للاجئين والمهاجرين من الشرق الأوسط وإفريقيا؛ تحولت الانتخابات الأخيرة في أكثر من دولة أوروبية إلى ما يشبه الاستفتاء بشأن الهجرة، لعبت فيها الحركات اليمينية الشعبوية بمهارة على مخاوف الناخبين من الطبقة العاملة بإقناعهم بأن الأحزاب العمالية التقليدية ستسمح للمهاجرين بالتدفق دون قيود، في انتقال سريع من التخويف بالجالية المسلمة عبر تدبير عمليات إرهابية تحت راية إسلامية كاذبة، إلى ترويع الأوروبيين بالتغيير الديموغرافي العرقي والثقافي والديني الذي يهدد هوية الحضارة الغربية.
ومع أن موجة الهجرة سواء من الشرق الأوسط أو من دول الساحل إنما جاءت كنتيجة حتمية لتنفيذ عقيدة سيبروفسكي الهدامة التي انتهت مع بوش وأوباما وساركوزي بتفكيك الدول المحورية بالشرق الأوسط، وتتواصل بوسائل أخرى في دول الساحل بأدوات استعمارية صرفة تجمع بين تقنيات ترويع الشعوب بالإرهاب واستنزاف ثرواتها عبر إفساد نخبها، فإن الغرب يرفض الاعتراف بمسؤولياته في خلق الأسباب والظروف المنتِجة للهجرة، حتى لا يتحمل كلفة البحث عن علاج مستدام مع دول المنشأ، يمر حتما عبر وقف نهب ثروات دول الجنوب، والتفكير معها في بعث مشروع تنمية مستدامة كان سيكلف أوروبا عُشر كلفة محاربة الهجرة
بإجراءات أمنية مرشحة لتتحول مع الزمن إلى عملية إبادة جماعية للملايين من المهاجرين في أعالي البحار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • هشيمالهاشمي

    العيب فينا وفي مقدرتنا الهشة المريضة التي فشلت في " اقامة دولة بمعنى الكلمة لتقابل الأخر "ب الند للند" وليس مجرد "خيال" لتمويه على الثعالب والذئاب " كي لاتهاجم دجاجنا في أخبئتها" وما زاد الأمر تعقيدا أن نخبنا المثقفة من صحافة واعلاميين وسياسيين .. صاروا جميعهم * |أعوانا للباطل ، لطمس الحقيقة والحقائق* نعيب غيرنا والعيب فينا ومنا *

  • محمد

    يا كسيلة ،فرنسا لم تكن شيئا تماما لولا أن ساعدتها الجزائر بملايين القطع الذهبية والمؤن والأغذية والأحصنة وغيرها من المواد خلال ثورة الفلاحين بعد الثورة الفرنسية والتي بسببها دخلت فرنسا في مجاعة ..وكل الدول كانت تكرهها خصوصا بريطانيا لعدوانيتها وأنت تحرب حربهم ضد بعضهم من قبل.
    الغرب وفرنسا بعد ذلك ، إستعمروا إفريقيا والجزائر ونهبوهم لمئات السنين وليس فقط بضعة سنين ، ونهبوا كل ما جعلهم دولا متطورة ، ثرية ، ورغم كل السرقات هم لايزالون في أزمات بسبب الربا. لكن البنية التحتية والتعليم والثروة كله جاء من ثرواتنا.
    هؤلاء سرقوا كل ثروة بلادك واعطوك منها كسرة وهم ينتظرون منك أن تشكرهم على كرمهم.

  • كسيلة

    عجيب أمركم! يهرب المسلم من جنة أوطانه والاستبداد والقمع والبطالة والفقر الى جحيم الغرب الكافر عله يحظي بقليل من الكرامة والانسانية والحرية ومع ذلك تتهمون الغرب بالتقصير ! لماذا على الغرب تحمل وزر وأخطاء غيرهم وقبول هذه الجموع من المسلمين المهاجرة؟ إذا كان على الغرب إستقبال هذه الاعداد الضخمة من مهجري الحروب والإرهاب والهاربين من جحيم الفقر والتخلف والجوع والمرض والبطالة والإستبداد طالبا للحرية من المسلمين فماذا قدمت هذه الدول العربية الغنية الخلجية النفطية لاخوانهم في الإسلام؟ لماذا لا يهرب المسلمون الى الدول الاسلامية مثل ماليزيا واندونيسا وباكستان وبنغلادش وحتى تركيا .لماذا أوروبا بالذات؟

  • و احد فاهم اللعبة

    الغرب يحمي نفسه وشعوبه وليس مسؤولا عن دول مفلسة بنفطها وغازها نهب مسؤولوها وهربوا ثرواتها وتركوا شعوبها الحديدة تاكل البروباغوندا مكة الثوار وتقرير مصير الشعوب وهلما خزعبلات تصدر لها عاطليها وفقراءها وطلابها وحتى موظفيها عبر قوارب الموت اذا كانت هناك من جريمة فهي جريمة من طرد ابناءه ليصبحوا مشردين في البحار والملاجئ وليس من يحمي بيته واسرته من قوم فنيانين يدمرون ويستهلكون ولا ينتجون شيئا الا الثرثرة واللسان الطويل