الرأي

“جوبلز” وإخوانه بيننا؟!

محمد حمادي
  • 5395
  • 5

الانحراف الاجتماعي انتقل من الواقع إلى العالم الافتراضي، وأفرز ممارسات وسلوكيات خطيرة أبطالها أشخاص يتخفون وراء شاشات الحواسيب والهواتف النقالة، ولا يتوانون عن نفث عقدهم النفسية على الشبكة العنكبوتية، عبر صناعة الشائعات وترويجها على نطاق واسع، غير مبالين بالآثار السلبية التي تنتج عن مثل هذه السلوكيات المشينة، التي دمّرت عائلات وقطعت أرزاقا ونسفت استقرار مجتمعات!

الأنماط السلوكية غير السوية التي أضحت البيئة الرقمية أكبر حاضن لها، أحدثت خلخلة في القيم الأخلاقية والدينية في المجتمع الجزائري، وأنتجت كائنات سادية تتلذذ بإيذاء الناجحين والمتفوقين في شتى مناحي الحياة! بنشر أخبار مغلوطة وأخرى مشوّهة أو مضخمة عنهم بهدف الحطّ من كرامتهم والنيل من سمعتهم بسبب الغيرة والحسد…وأشياء أخرى لا يعلمها إلا مروّجو هذه الشائعات.

كثير من المرضى نفسيا الذين باتوا ينفثون عقدهم عبر الفضاء الأزرق، لا يعرفون بأن نشر الشائعات من بين الكبائر؛ كونها مقترنة بالكذب الذي يكون مفعوله سلبيا على الناس، نظرا لسرعة انتشار هذه الافتراءات التي تكون مثل النار عندما تسري في الهشيم، حيث تتفوق على الأخبار الصحيحة؛ لما تحمله من عناصر الإثارة والغرابة والصّدمة.

وإذا كان وزير الدعاية الألماني جوزيف جوبلز في عهد هتلر، قد استخدم الشائعات لمحاربة جيوش الأعداء وبث الرعب والفزع والتوجس بين صفوفهم عبر حرب نفسية منظمة، فإنها في مجتمعنا أخذت منحى خطيرا وأضحت مدمرة لتماسك المجتمع، بعدما أصبح كل واحد لديه حساب على مواقع التواصل ينشر أخبارا مغلوطة وصورا مفبركة غير مبالٍ بانعكاساتها السلبية.

الفنانون الجزائريون من ممثلين ومغنين كانوا أكثر عرضة لهذه الشائعات، خاصة إذا تعلق الأمر بالموت وما أدراك ما الموت؛ فعندليب الأغنية العاطفية الراحل حسني اكتوى بهذه الأكاذيب في بداية التسعينيات؛ فغنى رائعته المشهورة “قالو حسني مات شا غاشي وشيرات”. وبالفعل تجمّع الآلاف من المعجبين أمام بيته في حي قمبيطة الشعبي بعدما صدمتهم “كذبة” وفاة فنانهم المحبوب.

ألم يتألم الفنان الراحل هواري عوينات وعائلته من الأخبار المغلوطة التي راجت حول وفاته حينها، وجعلته يخرج للناس عبر فيديو صوره بمصحة في فرنسا، ليكذّب هذا الخبر؟ ألم يتكرّر السيناريو ذاته مع الممثلة القديرة عتيقة طوبال، التي روّج بعض مرتادي الفيسبوك خبر وفاتها ما أدى إلى انهيار معنوياتها؟ لماذا أصبحنا نحب البؤس ونسارع إلى نشر الأخبار الحزينة حتى ولو كانت كاذبة؟ ألهذه الدرجة أصبحنا نتلذّذ بإيذاء الآخرين؟ وإلا كيف نفسّر نشر صور قديمة، مؤخرا، على الفيسبوك تظهر نجم ثلاثي الأمجاد الفنان الكوميدي محمد جديد المعروف فنيا باسم هواري بوضو، وهو في حالة متقدمة من المرض ما دفع بهواري إلى استجداء عائلته ومحبيه بعدم تصديق الشائعات التي تقول إنّ صحته تدهورت، بل هو في تحسّن مستمر.

الحقيقة، هي أنّه ليس جوبلز الألماني وحده من يصنع الشائعات ويجيد ترويجها باحترافية حتى يُخيّل لملتقطها أنّها أخبار حقيقية لا يشوبها أي شك، بل أمثاله كثيرون في مجتمعنا، وجدوا في هذه الحرفة أداة لاستهداف الناس والنيل من شرفهم وكرامتهم، متخذين الشبكة العنكبوتية منصّة لإطلاق صواريخ وقنابل الحقد والكراهية على أناس ذنبهم الوحيد أنهم ناجحون أو مشهورون.

مقالات ذات صلة