الرأي

حان وقتُ الاحتكام إلى العقل

محمد سليم قلالة
  • 1210
  • 6
ح.م

لقد حَلّت اليوم مرحلة الاحتكام إلى العقل.. والاحتكام إلى العقل هو الحكمة بعينها. الخلافات القائمة بيننا هي خلافات بين جزائريين، وليست بين جزائريين وأجانب، إلا لِمَن وَضع نفسه في خدمة أجندات أجنبية، لذا فإن بإمكاننا حلَّ هذه الخلافات التي بيننا من خلال عقلٍ مُتَّقِدٍ وقلبٍ مفتوح. لن ننجح في ذلك بمنطق لَيِّ الذِّراع، إِنْ كان من السلطة أو مِن الشعب.. كل طرف لديه نقاط قوته ويستطيع استخدامها في أي وقت، وكل طرف لديه نقاط ضعفه ويمكن تحطيمُه من خلالها في أي وقت. ولأن كل طرف متداخلٌ في الآخر، فإنهما سيخسران المعركة معًا إِنْ تصارعا، لِذا فإنه من الحكمة ألا يتصارعا، وأن يُوفِّرا عناصر القوة التي يمتلكان ضد العدو الحقيقي المشترك الذي سيسعد عندما يراهما يتصارعان.

إني أرى بعين المراقب ما حدث في البلاد المحيطة بنا، فيما ما يُسمى بالمصطلح الأمريكي منطقة”MENA” أي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقد تم تصنيفنا شئنا أم أبينا ضمن هذه المنطقة، ولم نُسَمَّ لا عربا ولا مسلمين ولا أكرادا ولا أمازيغ… بل اعتُبرنا رقعة جغرافية يرى الغربُ أنه عليه التعامل مع ساكنتها وثرواتها بنفس الأسلوب حتى تخضع لإرادته. لا يهم إِنْ حَكمها العسكر كما بالنسبة لمصر، أو تَوَارَثَتْها أُسَرٌ ملكية ومالكة كما بالنسبة للخليج، أو سادت بها ميليشياتٌ وطوائف كما باليمن وليبيا، أو حكمها رئيس، يرى الدستورَ فوق القرآن الكريم، باسم الديمقراطية، كما في تونس… المهم أن تكون خاضعة غير مُهدِّدة للكيان الصهيوني، ولا لمصالح الحلف الغربي الإستراتيجية… والضامن الوحيد لعدم التهديد هذا، أَنْ يتم تفكيك جبهتها الداخلية، وأَنْ يسود التناحر بين مكونات هذه الجبهة بدل التكامل أو التعاون أو الحوار أو الاحتكام إلى العقل ..

في العراق شيعة وسنة، في مصر جيش وإخوان، في سوريا وليبيا واليمن نظام وميليشيات، في السودان شمال وجنوب، ثم جيش ومعارضة في الشمال، في الخليج إمارة ضد إمارة (قطر والإمارات)، في السعودية شريعة ضد معارضيها، وفي تونس ديمقراطيين ضد الإسلاميين… وفي الجزائر بعد أن فشلت محاولة التفرقة بين أبنائه على أساس  أمازيغي – عربي، أو إسلامي – لائكي، وبعد أن أَفشل شعار “جيش شعب خاوة خاوة” الذي رفعه الشعب عاليا، محاولة فصل الشعب الجزائري عن جيشه، ها هي المحاولة اليائسة الأخيرة اليوم للطعن في قيادته، لعلها تكون بداية إشعال نار الفتنة والابتعاد عن طريق العقل والحكمة.

مهما كانت علاقتنا أو تحفظاتنا على بعضنا البعض، ينبغي أن نتصرف بمنطق الشعب الواعي الذي صقلته التجارب وعلّمته المِحن، وبمنطق الدولة الوطنية التي لا تسمح بالتشكيك في مؤسساتها تحت غطاء التشكيك في الأشخاص.

علينا أن ننتصر في معركتنا هذه بمنع كل محاولةٍ لخداعنا بشعارات برّاقة مهما كان ظاهرُها صحيحا… الغربيون الذين يعتبرهم البعض نموذج الديمقراطية، يساندون العسكر ضد المدنيين عندما ينتصر المدنيون في الانتخابات كما حدث في  مصر، ويساندون المليشيا المدنية والعصابات ضد العسكر عندما ينتصر العسكر كما حدث في سورية، ويساندون المُتفتحين ضد المحافظين عندما ينتصر المحافظون كما يجري في السعودية، ويساندون اللائكين ضد الإسلاميين عندما ينتصر الإسلاميون كما يحدث في تونس، وهكذا دواليك… بكل الوسائل، يمنعون اتحاد القوى في أي بلد من بلدان هذه المنطقة.. لا يؤمنون لا بشعار مدنية ولا عسكرية ولا دينية ولا لائكية، بل ولا حتى حرية وديمقراطية!

لذا، فإنه لزاما علينا اليوم أن نَضع توحيد جميع مكوِّنات الأمة هي هدفنا الأسمى، ونعتبر الوحدة هي أولوية الأولويات التي باسمها نقبل كافة التنازلات لبعضنا البعض وكل أشكال الحوار، بعيدا عن كل تشخيص أو مواجهة، إن بالعقاب كاعتقال المواطنين من قِبل السلطة، أو بالسّباب كسبّ القادة والتشكيك في المسؤولين من قبل الشعب… ذلك أن طريق البناء لا يمكن أبدا أن يسير بهذا الاتجاه… وعلينا الامتناع بوعي وإراديا، عن السير فيه بكل العقل والحكمة اللازمين، لنخرج منتصرين بإذن الله.. والأمل في ذلك كبير إن شاء الله.

مقالات ذات صلة