حتى لا تظل اليتيمة يتيمة!
الالتفاف الكبير للجزائريين، حول مشروع قناة “الشروق تي في”، ليس مفاجئا، ولا اختراعا عجيبا، لكنه يعبّر في حقيقة الأمر، عن تعطش الجزائريين وجوعهم نحو مزيد من القنوات التلفزيونية، التي تعبّر عنهم فعلا، في ظلّ الحصار المفروض من طرف السلطة على التلفزيون، والذي تحوّل في السنوات الماضية، من وسيلة خدمة عمومية إلى أداة حكومية، ومن قناة وطنية إلى فئوية، أخفقت في تقديم الأخبار والمنوعات، وحتى الترفيه، بل إنها فاشلة حتى في الفشل ذاته!
- التلفزيون الوحيد في الجزائر، أفسد الذوق العام، وتلاعب بالمشاهدين، من حيث إنه فشل في صناعة رأي عام واحد، يلتف حول الثوابت الوطنية، وبات يترنح بين تغطية نشاط الوزير الفلاني، وصون مزاجية الوزير العلاني، ناهيك عن سعيه لضبط التوازنات، حتى ولو كان بعض العاملين فيه من المهنيين والمثقفين، لكنهم في حقيقة الحال، وجدوا أنفسهم مضطرين لركوب موجة الرداءة، حفاظا على مكاسب العيش حينا، أو لغياب إطار سمعي ـ بصري آخر يعملون فيه، بالداخل، مع تضاؤل فرص العمل في الخارج، واشتداد المنافسة.
مزاجية السلطة المتقلبة، والتي يعبر عنها وزير الاتصال في التعامل مع التلفزيون الحكومي، لا تعبّر في الحقيقة عن انحياز السلطة نحو الشعب وخياراته، ولا تترجم رفضه واشمئزازه من هذا التلفزيون وأدائه قليل الاحترام، لكنها تعبّر عن تقلب غير موضوعي داخل السلطة المسؤولة عن تخريب المهنية داخل الجهاز، والتعامل مع موظفيه، وفقا لمنطق الموالاة والمعارضة، وإجهاض العديد من المحاولات للتغيير، مع نحر كثير من المبدعين، وبالتالي، فإن اعتراف الوزير أو إدانته لأداء التلفزيون، ليست سوى إدانة مباشرة للوزارة ذاتها، وللحكومة التي ينتمي إليها بشكل أو بآخر.
يتحدث البعض عن فساد المال الخاص في مشروع القنوات التلفزيونية الجديدة، وكأنّ المال العام ليس فاسدا، أو أن القائمين عليه ليسوا في معظمهم لصوص، أو كأن هؤلاء الذين يتحكمون في الخدمة العمومية عبر التلفزيون، ولا يقومون في حقيقة الأمر إلا بخدمة بعض الجهات، نصبوا أنفسهم حراسا على الأخلاق العامة، والمبادئ والمثل، رغم أن الجميع يعرف أن هؤلاء ليسوا بأقل فسادا من غيرهم، ولا أكثر نظافة ممن يتهمونهم ويحاكمونهم على النوايا.
مشروع الإصلاحات، ومن ضمنه فتح السمعي البصري، شبيه بالثورة التي يجب رميها للشارع، من أجل أن يحتضنها الشعب، ولن يكون مسؤولا عنها لا برلمان فاقد للشرعية أثبت عدم أهليته في تمرير قانوني الانتخابات وكوطة المرأة بشكل مشوّه، ولا نخب مفلسة أثبتت فشلها في الكثير من المواعيد الهامة، وتزعمت حزب الفرص الضائعة.