الرأي

حتى لا تُصيبنا الديمقراطية بخيبة أمل ثانية!

محمد سليم قلالة
  • 629
  • 5
ح.م

تَوقَّعَ أكثر من باحث، قبل اليوم، أن ديمقراطية القرن العشرين الليبرالية قد أوشكت على بلوغ نهايتها (أنظر مثلا المقال الذي كتبته المجلة الأمريكية Foreign Affairs جوان 2018) بعنوان “نهاية القَرن الديمقراطي”The End of the Democratic Century … وجاءت أحدات اقتحام مجلس الشيوخ الأمريكي بالقوة، في السادس من هذا الشهر، لِتُقدّم مؤشرا قويا على صحة هذا الاتجاه.. لقد بيَّنت بجلاء حدود ما كان يُعتَبر النموذج لِأَفضلِ نظام حكم في العالم! بل وأكدت مجريات الأحداث، كما شاهدها العالم، أننا بالفعل على عتبة نهاية عصر الديمقراطية الليبرالية التي يبدو أنها لن تُعمِّر طويلا. ولن تستطيع الاستمرار في تقديم ما سمّته “أفضل نموذج للحكم عرفه الإنسان”… أخيرا بعد عقود من التضليل والخداع بانت على حقيقتها وخَفَتَ بريقُها السياسي، كما أثبتت فشلها الاقتصادي، ناهيك عن سقوط قيمها الأخلاقية التي أرادت أن تجعل منها قيم كل الانسانية.

لم يمرّ قرنان على البدايات الفعلية للأنظمة الديمقراطية الليبرالية، حتى باتت تنافسها أنظمة أخرى في العالم كانت تُطلق عليها منذ أقل من 30 سنة كل الصفات السيئة التي تتعلق بنظام سياسي واقتصادي وثقافي. كانت الصين دولة متخلفة من العالم الثالث، لا حقَّ لها حتى في عضوية الأمم المتحدة ناهيك عن مجلس الأمن. وإلى وقتٍ قريب كانت دولة مُحتَقَرة. وكان الاتحاد السوفياتي كذلك. أمَّا شعوبنا نحن فلم يكن يُنظَر إليها إلا كمستعمرات قديمة في انتظار المدنية الفرنسية أو الأمريكية أو غيرها… وظن الغربيون بعد تفكيك الكتلة الشيوعية سابقا أن الديمقراطية الليبرالية ستعم العالم، وسينتهي التاريخ، وكتب “فرانسيس فوكو ياما” كتابه “نهاية التاريخ”، مُبَشِّرا بذلك. إلا أن ما حدث كان العكس: روسيا أصبحت أقوى من الاتحاد السوفياتي سابقا وتُتَّهم بالتأثير في الانتخابات الأمريكية وبالهجوم الإلكتروني على منشآت هذه الدولة العظمى، والصّين أقوى اقتصاديا من هذه الأخيرة، ونظامها أكثر استقرارا، وأكثر قدرة على أن يكون نموذجا للعالم من حيث كفاءة الأداء والقدرة على توفير العيش الكريم للناس.

هذا الواقع الجديد ينبغي أن يُنبِّهنا نحن إلى مسألة في غاية الأهمية: أيّ خيارات سياسية واقتصادية علينا أن نتبع؟ هل سنواصل الحلم بديمقراطيةٍ ليبرالية على الطريقة الغربية هي في طور التآكل؟ هل سنبقى نعتقد بأنها هي المستقبل ونتمسَّك بشعاراتها ومصطلحاتها ونعتبر قيمها هي الأفضل؟ أم نأخذ العبرة من التطورات الحاصلة في العالم بشقيه الليبرالي وغير الليبرالي، بأنظمته المختلفة، ونبحث بداخل هويتنا وثقافتنا وتاريخنا وحضارتنا عما يناسبنا من حلول للمستقبل؟

علينا التفكير بجد في الكثير من المواقف والخيارات بعد الذي نراه اليوم يحصل أمامنا حتى لا نَعقِد الأمل على شعارات عفا عنها الزمن، ولم تعد تصلح لبناء دولة في القرن الحادي والعشرين، وقبل هذا وذاك نُصاب بخيبة أمل ثانية في الديمقراطية كما حدث لنا في كثير من الخيارات.

مقالات ذات صلة