-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حربٌ دينية سافرة

حسين لقرع
  • 554
  • 0
حربٌ دينية سافرة

ما يحدث في الأقصى في عزّ شهر رمضان المعظّم من تكرار اقتحامات المستوطنين للمسجد المبارَك والتنكيل الوحشي بالمرابطين والمرابطات، يؤكّد إصرار الاحتلال على فرض التقسيم الزماني والمكاني للأقصى بين المسلمين واليهود، تمهيدا للسيطرة لاحقا على المسجد وهدمه وبناء الهيكل المزعوم بدله، ومن ثمة دخول المرحلة الثانية للصراع وعنوانها إقامة “إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات.

هي إذن حربٌ دينية سافرة تشنُّها الحكومة الفاشية العنصرية التي تضمّ بن غفير وسموتريتش وغلاة الصهيونية، وبذلك يسقط في يد عرب الردّة والتطبيع الذين لم يكتفوا بالانبطاح للاحتلال والتحالف معه عسكريا وأمنيا فقط، بل طفقوا أيضا يروّجون لفكرة “الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي” في تقزيم واضح للصراع الإسلامي- اليهودي حول المسجد الأقصى ومدينة القدس وفلسطين برمّتها؛ فنحن نرى بأن المسجد حقّ حصريٌّ للمسلمين، وفلسطين للفلسطينيين وحدهم وعاصمتها القدس الشريف، في حين يتحدّث الصهاينة عن “جبل الهيكل” و”أورشليم” العاصمة الموحَّدة لـ”إسرائيل”، ويسعون إلى فرض هذا الواقع بقوة السلاح، وهنا لم يكن أمام الفلسطينيين سوى الرباط في الأقصى والدخول في مواجهات يومية مع الاحتلال حتى لو كانت نتيجتها عشرات الجرحى ومئات المعتقلين يوميا.

من جهتها، أدركت فصائل المقاومة بغزة أنّ المرابطين يتحمّلون ما لا قِبل لهم به، وأنهم لن يستطيعوا منع المستوطنين من دخول الأقصى يوميا وتدنيسه تحت حماية شرطة الاحتلال المدجّجة بالسلاح، فتحرّكت لتقصف مستوطناتِ الاحتلال بنحو 30 صاروخا، لكنّ الضربات الأشدّ جاءت من الضفة، إذ قام شبانٌ فلسطينيون أولو بأسٍ شديد بعمليات دهس وإطلاق نار في الأغوار وتل أبيب أسفرت عن مقتل أربعة مستوطنين وجرح عددٍ آخر، وهي عملياتٌ مؤلمة ومؤرّقة للعدوّ الذي يقف في كل مرة أمامها عاجزا مرتبكا.

أما ما لم يكن في حسبان العدو، فهو إطلاق 34 صاروخا من جنوب لبنان باتجاه مستوطنات الجليل، وقد فهم نتنياهو أنّ “حزب الله” كان وراء العملية، حتى لو نُسبت إلى فصائل فلسطينية بمخيّمات لبنانية، واستوعب الرسالة جيّدا، لاسيما وأنّ نصر الله قد اجتمع مع قياديين من حماس والجهاد لتنسيق المواقف، كما رُجمت مستوطناتُ الجولان المحتل بعدّة صواريخ على دفعتين من سوريا، وكاد ميناءُ إيلات الصهيوني يتلقى بدوره رشقات صواريخ من سيناء لولا مسارعة الجيش المصري إلى وضع اليد عليها.. وهذه ليست كلها صدفة.

في السابق كانت قطعانُ المستوطنين تقتحم الأقصى يوميا من دون أن يكون هناك سوى مرابطين عزّل يحاولون جهدهم التصدّي لهم، اليوم بدأ صناديد المقاومة يردّون بعمليات نوعية موجعة في قلب عاصمة العدو، وبدأت الصواريخ تنهمر على مستوطناته من ثلاث جبهات، وهذا يعني أنّ هناك تطوّرا داخليا وإقليميا غير مسبوق يتبلور في الأفق ويسعى إلى تغيير الوضع الراهن والدفاع عن المقدسات بالنفس والنفيس.. صحيحٌ أنّ الردود لا تزال محتشمة ومحدودة التأثير، وأنّ العدوّ لا يزال يفرض إرادته بالأقصى والمنطقة كلّها برغم أزمته الداخلية الحادّة وانقساماته المجتمعية الخانقة، لكنّ أول الغيث قطرة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!