-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بعد 4 سنوات من انتخاب الرئيس تبون

حرب بلا هوادة على الفساد.. ثورة في القوانين والدولة تسترجع هيبتها

نوارة باشوش
  • 3435
  • 0
حرب بلا هوادة على الفساد.. ثورة في القوانين والدولة تسترجع هيبتها
أرشيف
رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون

خاضت العدالة الجزائرية منذ ديسمبر 2019 حربًا قضائية شفافة ضد الفساد والمفسدين، موازاة مع ثورة في التنظيم والتشريع وثقت من خلالها ميلاد ترسانة ضخمة من النصوص والقوانين الجديدة، أراد من خلالها مسؤولو الجهاز التنفيذي الضرب بيد من حديد “محتكري قوت الجزائريين” وتضييق الخناق على مافيا الاتجار بالبشر وعصابات الإجرام والتزوير والمعتدين على أملاك وأراضي الدولة وغيرها، في خطوة صارمة لمحو كل آثار السياسات والممارسات التي التصقت بالنظام السابق وتسببت في إفلاس البلاد والعباد لأزيد من عقدين من الزمن.
وشهدت الجزائر خلال الأربع سنوات الأخيرة تحولات قانونية هامة تستند إلى إصلاحات جذرية، من خلال رزمة من القرارات والقوانين والتعديلات، تجسيدا لبرنامج رئيس الجمهورية الرامي إلى تطوير النظام القضائي، فمنذ اعتلائه كرسي المرادية، كرس الرئيس تبون إصلاحات مكثفة من خلال إجراء تعديلات كبيرة في قطاع العدالة، بما يتوافق مع التغيرات التي يشهدها المجتمع الجزائري على جميع الأصعدة.
ولا يمكن الحديث عن سياسة الرئيس تبون دون ذكر المجهودات الجبارة التي بذلت في مكافحة الفساد والمفسدين واسترجاع الأموال المنهوبة داخل وخارج الوطن مع نسف كل من سوّلت له نفسه المساس بالمال العام، مما جعل الفساد يتراجع سنة بعد أخرى، خاصة أن رئيس الجمهورية أولى منذ انتخابه عناية كبيرة لأخلقة الحياة العامة ومحاربة الفساد بشتى أشكاله، وكذا وضع قواعد تنظيمية وإجرائية ترمي بطريقة مباشرة وغير مباشرة إلى ضمان شفافية تسيير المال العام والابتعاد عن المحاباة والزبائنية وفصل المال الفاسد عن السياسة”.

هذا ما تحقق في ظروف استثنائية وقياسية
وبهذا الصدد، قطع جهاز العدالة شوطا كبيرا في الإصلاح وأحدث ثورة حقيقية في التشريع والقوانين واستحدث عدة أقطاب ومحاكم متخصصة، آخرها إنشاء المحاكم التجارية المتخصصة، والتي تأسست بموجب القانون العضوي المتعلق بالتنظيم القضائي لتعزيز النشاط الاقتصادي والتجارة، حيث إن هذه المحاكم ستلعب دورا مهما في دعم عجلة الاقتصاد وحل المشاكل التي تواجه الشركات بشكل سريع.
بالإضافة إلى ذلك، شملت الإصلاحات تقديم مشاريع قوانين تمت المصادقة على العديد منها، وهذه المشاريع تركز أساسا على ضرورة الحد من جميع أشكال الإجرام، ولاسيما الجريمة المنظمة، على غرار ظاهرة التهريب والاتجار بالبشر، وهي مشكلة تواجهها الجزائر بشكل كبير في السنوات الأخيرة، خاصة مع وجود عصابات متخصصة في تهريب الأشخاص من منطقة الساحل الإفريقي باتجاه الجزائر.
علاوة على ذلك، تمّ مراجعة قانون الإجراءات الجزائية‎ وإدخال تعديلات جديدة عليها ومناقشتها على مستوى البرلمان وإثرائه، إذ تضمن مشروع القانون عدة محاور، على غرار: حماية المسؤولين المحليين وتحسين إدارة القضايا الجزائية ورقمنة الإجراءات وتبسيطها، وإصلاح محكمة الجنايات، وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة في محكمة الجنح،‎ بالإضافة إلى إعادة تنظيم الأقطاب القضائية الجزائية لمواجهة الإجرام الخطير.
وبالمقابل، يعتبر مشروع رقمنة العدالة أحد الجوانب الرئيسية التي يركز عليها رئيس الجمهورية في رؤيته المستقبلية لتطوير جهاز العدالة وجعله أكثر مرونة وفاعلية في أداء واجباته، مما يساهم في تقليل التكاليف وتوفير الوقت للمواطنين والقضاة عبر اختصار المسافات، حسب ما أكده وزير العدل، حافظ الأختام عبد الرشيد طبي.

القطب الاقتصادي والمالي.. القلب النابض لمكافحة الفساد
ويعتبر القطب الجزائي الوطني المالي والاقتصادي، منذ استحداثه، القلب النابض للآلية القانونية لمكافحة الفساد، والقوة الضاربة لكل من تسول نفسه مد يده لنهب المال العام، حيث عرف بدوره خلال سنة 2023 نشاطا مكثفا، سواء من خلال فتح ملفات فساد ثقيلة أشرف عليها وكيل الجمهورية الرئيسي السابق “عبد الرحيم. ر” ومساعدوه الذين لم يدخروا جهدا في الكشف عن المخططات الممنهجة لتحطيم الاقتصاد الوطني من خلال مؤسساته وحتى أسطوله البحري، إلى جانب الفساد الذي طال عدة شركات وفروع على غرار “إيمتال” و”الشركة الوطنية للاسترجاع”، وكذا “شركة ألريم” التي جرت الوزير السابق نسيم ضيافات إلى السجن.
وبتّ القطب سابقا برئاسة القاضي محمد كمال بن بوضياف، أصبح لاحقا وكيل جمهورية رئيسيا لذات الجهة القضائية، في عدة قضايا معقدة وشائكة، نظرا للشخصيات المتابعة فيها، على غرار ملف السعيد بوتفليقة و”الكارتل المالي” باعتباره القوة النافذة للنظام السابق، وكذا ملف “الخوصصة”، المتابع فيه الوزيران بن مرادي وعبد الحميد طمار، إلى جانب ملف فساد إنجاز “محطة الطيران” بقسنطينة المتابع فيه الوزير الأول السابق نور الدين بدوي ووزير الصحة السابق عبد المالك بوضياف، زيادة على ملف “الوكالة الوطنية للسدود والتحويلات” المتابع فيه أرزقي براقي و48 متهما وكان آخر ملف فساد فصل فيه الفرع الثالث للقطب هو ملف قروض بالملايير والتلاعب بـ”الاستثمار في الجنوب” المتابع فيه الإخوة “صحراوي”.
ويواصل القطب الاقتصادي والمالي وبكل صرامة التصدي لجرائم الفساد تحريا ومتابعة وتتبعا للعائدات الإجرامية بداخل الوطن وخارجه، من أجل حجزها ومصادرتها لفائدة الدولة، كما أن مجلس قضاء الجزائر صادر عددا معتبرًا من الممتلكات العقارية والأموال المنقولة الموجودة داخل الوطن بعد إدانة المرتكبين ومعاقبة الجرائم ذات الصلة بموجب أحكام وقرارات جزائية نهائية من طرف المحكمة العليا.
ويجري حاليا تتبع آثار الأموال المنهوبة “بجدية وحزم” من خلال تنفيذ العديد من الإنابات القضائية ذات الصلة والموجهة لمختلف الدول في إطار التعاون القضائي الدولي”، وهذا المسعى يعرف تجاوبا دوليا إيجابيا حسب تصريحات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.

قانونيون: هذا ما ننتظره من العدالة
وللخوض في تفاصيل أكثر، أكد المحامي والقاضي السابق خميستي عثمانية، أنه فيما يتعلق بقطاع العدالة فقد عرفت سنة 2023 نشاطات كثيرة تصب جلها في تدعيم المنظومة التشريعية بالأساس وتمس خصوصا جملة من القوانين على شاكلة المضاربة غير المشروعة خاصة في المواد ذات الاستهلاك الواسع، موضحا أن هذا القانون حقق ثمارا على أرض الواقع وما القضايا التي عالجتها أو المطروحة على مستوى مختلف الجهات القضائية إلا دليل على ذلك، بل إن الأحكام الصادرة ضد المضاربين وصلت إلى حد توقيع عقوبة المؤبد على بعضهم، كما أن هذا القانون الساري المفعول قلّص بنسبة كبيرة جدا من ظاهرة المضاربة.
وبالمقابل تطرق عثمانية إلى قانون مكافحة التزوير ومدى ضرورة المصادقة عليه من طرف غرفتي البرلمان قائلا: “قانون مكافحة التزوير المطروح حاليا على البرلمان كان استجابة لمؤشرات الارتفاع القياسي لظاهرة التزوير، وما نتج عنه من فقدان الثقة بين المواطن والإدارة وحتى خلال المعاملات بين المواطنين والذي مس بطريقة مباشرة الاقتصاد الوطني من خلال التزوير في الفواتير خاصة تلك المتعلقة بالاستيراد، مما كبّد خزينة الدولة الملايير من الدينارات”.
وانتقل المختص في مكافحة الفساد عثمانية إلى الشق المتعلق بالتدعيم المؤسساتي لقطاع العدالة، قائلا” لقد عرفت سنة 2023 ميلاد المحاكم التجارية المتخصصة التي استحدثت أساسا من أجل تحقيق منازعات سريعة الآجال والإجراءات وإعطاء ثقة للمتعامل الوطني والأجنبي من أجل تشجيع المستثمرين على الاستثمار وتجسيد مشاريع تنموية تعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني، مع خلق بدائل بعيدا عن “الريع”.
وهنا نشير، والتصريح للقاضي السابق، إلى أن قانون الاستثمار في صيغته الجديدة ينص على تشريعات تصب في هذا الاتجاه وتضمن حماية مطلقة للمستثمر وتشجعه عن طريق الضمانات ومن بينها المحاكم التجارية المتخصصة.
وأردف المتحدث “وفي إطار التدعيم المؤسساتي تم إنشاء خلية الاستعلام المالي وكذا استحداث الوكالة الخاصة لتسيير الأموال المصادرة عن قضايا الفساد، وهي أيضا إجراءات مؤسساتية ولكنها في خدمة الحرب الكبرى التي تقودها الجزائر ضد الفساد منذ شتاء 2019”.
وشدد القاضي السابق على أن “الجزائر استمرت في مكافحة الفساد، حيث تم فتح العديد من الملفات على مستوى الأقطاب الجزائية المتخصصة وخاصة القطب الجزائي الاقتصادي والمالي الذي يعتبر القوة الضاربة للفساد، ولا تزال العديد من الملفات مطروحة على مستوى التحقيق والتحري، وهذا كله يصب في قرار عدم تراجع الدولة عن محاربة الفساد، وهي العملية التي أفرزت لحد الآن معاقبة عدد كبير من المفسدين، بالإضافة إلى استرجاع كم هائل من الأموال على المستوى الوطني أو في الخارج، والتي وصلت إلى 20 مليون دولار، حسب تصريحات وزير العدل والعملية مستمرة في هذا الإطار”.
ويأتي التدعيم المؤسساتي، يقول عثمانية، باستحداث الوكالة الوطنية لتسيير الأموال المصادرة من قضايا الفساد، من أجل الحفاظ على هذا المال وكذا الحفاظ على مناصب الشغل واستغلال هذه الأموال، أولا بتدعيم الخزينة العمومية ومن جانب آخر استغلال هذه الأموال في مشاريع استثمارية تخدم الاقتصاد الوطني وتخلق مناصب الشغل.
وفي المقابل، أكد محدثنا أن العديد من الأمور الإيجابية استفاد منها قطاع العدالة سواء المنظومة التشريعية أو المؤسساتية، لكن “يبقى تجسيد هذه الخطوات ميدانيا وترجمتها على أرض الواقع بحاجة إلى الاستفادة من التجارب، خاصة في قضايا الفساد التي تم معالجتها على مستوى الأقطاب المتخصصة”.
وتابع المتحدث أن ” محاربة الفساد وفقا للاتفاقية الدولية وقانون مكافحة الفساد والوقاية منه 01 / 06 حتى تكون إيجابية يجب أن توجه ضد الفاسدين الحقيقيين وليس على أساس الشبهة فقط لأن توجيه الاتهام في قضايا الفساد لأشخاص أبرياء وتعطيل مؤسسات من النشاط وشل مشاريع في طريق الإنجاز لا يخدم الاقتصاد الوطني وبالتالي لا يخدم الدولة الجزائرية”.
وعليه، يقول المختص في مكافحة الفساد، “وجب أن نطمح في المرحلة المقبلة بأن يستفيد القضاء الجزائري من التجارب السابقة في مكافحة الفساد وعدم التسرع في اتخاذ إجراءات الحجز والمتابعات ضد أشخاص لا علاقة لهم بالفساد”.
ومن جهتها، أكدت المحامية والدكتورة في القانون، خديجة مسلم، في تصريح لـ”الشروق” أنه “بعد تعديل دستور 2020، اتضحت الرؤى من حيث سياسة الدولة المنتهجة في رفع مستوى العمل القضائي برمته، فكان لزاما على المشرع الجزائري أن يكرس مبدأ التقاضي على درجتين، احتراما لمبدأ الدستور، وعلى هذا الأساس تم استحداث الأقطاب المتخصصة وكذا المحاكم التجارية والمحاكم الاستئنافية الإدارية”.
أما بالنسبة للخدمات، تقول المحامية “نجد في عهدة الوزير الحالي عبد الرشيد طبي، أنه وجد الكثير من الحلول الناجعة لمشاكل ومعضلات قضائية دامت لسنين، على شاكلة تصفية المحجوزات خاصة المتواجدة في محاشر البلديات والتي كلفت المواطنين خسائر فادحة”.
وبخصوص الاستراتيجية المرتقبة أوضحت المحامية مسلم أنه “يجب البدء قبل سن القوانين، بتطهير الشركات والمؤسسات والإدارات العمومية من البيروقراطية، وتأهيل الإطار البشري المشرف على تسييرها على أساس الكفاءة والنزاهة بعيدا عن الجهوية والولاءات الحزبية، ومن ثم يجب تدعيمه بترسانة قوية من القوانين الواضحة والمرنة التي تسمح للمسيّر باتخاذ القرار وفي الوقت ذاته تحميه من الخطأ، عكس الحاصل حاليا، إذ إن غالبية المراسيم الإدارية يكتنفها الغموض والتأويلات، هذا فضلا عن حماية الإطار المسير من الضغوط الخارجة عن الهرم الإداري، ماديا ومعنويا”.
وأردفت الدكتورة في القانون أن “الاستراتيجية الجديدة تعتبر نقطة تحول كبيرة لمحاربة الفساد وإقرار الشفافية، خاصة أن الجزائر مرت بفترات صعبة في موضوع الفساد، ودخلت حاليا في مرحلة أخلقة الحياة العامة وهو المسار الذي يجب على الجميع الانخراط فيه من مجتمع مدني ومؤسسات”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!