الرأي

حزب الفايس بوك

بغض النظر عن الظالم والمظلوم في حكاية والي وهران “العابس المتولّي” والأستاذة “التي جاءت تسعى”، إن كان صاحب أعلى منصب في ثاني أكبر مدن الجزائر، قد استكبر في الأرض فعلا، وإن كانت صاحبة المئزر والطبشور قد صدقت فعلا، فإن ما ثبّت نفسه في حياة الجزائريين هو قوة مواقع التواصل الاجتماعي، التي وحدها ما نقل الصورة على نطاق واسع جدا، ونقلت التحليل المبني على عاطفة جارفة نحو رفض أي استهتار من أي مسؤول تجاه أي كادح، وقضت بالإدانة مع سبق الإصرار والترصد في حق والي وهران، ومنحت التعويض المعنوي الضخم للأستاذة، من دون أيِّ جلسة استماع، ورفضت أي محام في القضية، وأي طعن من “المتهم”، وحوّلت الملف، مبصوما عليه من ملايين الناس، إلى الحكومة التي لم يزد فيها وزيرُها الأول، سوى أن أقرّ بشرعية هذه المحاكمة الشعبية غير المعلنة.

منذ أن بزغ الحَراكُ الشعبي، في 22 فبراير 2019، تضاءل دور ما يسمى الأحزاب ورجالاتها الذين كانوا لا يصمتون إلا ليعودوا إلى الحديث، وزاد انتشار جائحة كورونا في شلّ حركتهم وأيضا ألسنتهم، وتزاحمت الأحداث الوطنية والدولية وغابت البيانات بعد أن تأكد أصحابها بأن لا مستمع إليها، وظهر الحزب القوي الذي فرض نفسه، وضمّ شبابا ونساءً وحتى أطفالا وشيوخا، كلٌّ من موقع مسكنه أو من مكان سهره، غير محكوم بالمكان ولا بالزمان، يقرأ بعاطفته ما يراه صحيحا ويطلّ بتعليق في لمح الإحساس، وينقر على زرّ هاتفه المحمول، مُنهيا وجهة نظره في كلمات.

يعلم الجزائريون بأن عدد الأساتذة وغيرهم من الكادحين في الجزائر من الذين طالهم التهميش وحتى الطرد بسبب دفاعهم عن الحق، بالآلاف، منهم من قضى نحبه قهرا، ومنهم من غادر البلاد إلى غير رجعة، ويعلمون بأن عددا من المسؤولين لم ينقصهم شيء ليكونوا مثل فرعون يطغون في الأرض، ولكن لا أحد سمع بآهات هؤلاء أو عن تجبُّر أولئك، في غياب الصورة والصوت، كما حدث في حكاية “أستاذة قالت ووال مشى بعيدا عنها”، ولو لم تسافر الصورة في الفضاء الأزرق لما عرف الناس للأستاذة اسما ولا شكلا، ولبقيت كما كانت خلال ثلاثين سنة من عمرها التعليمي، تعطي للتلاميذ الدروس تارة، وتمسح قاعات الدراسة أخرى.

عندما يسود القانون ويطبَّق بشكل صارم على الجميع، كما حدث في قضية الاعتداءات التي كانت تُرعب موظفي قطاع الصحة، فستتحجم وتتقلص ممارسات الكثير من المسؤولين، خاصة من ينشطون أمام الأنظار، وسيرتاح المجتهدون من الظلم المسلَّط عليهم، وتصبح وسائل التواصل الاجتماعي على مسمَّاها، وليست بديلا للعدالة، لأن سماع المتهم أيضا من روح القانون.

بالأمس والي مستغانم، واليوم والي وهران، ونتمنى أن يوقف بقية الولاة هذه الأخطاء الجسيمة أو يتم تعيين من يستحق في هذا المنصب الحساس، حتى لا يتحوّل بقية الولاة بين باسم و”ممثل” لدور الخير على المواطنين، كلما شاهد عدسات التصوير، أو آمر بمنع التصوير خلال خرجاته الميدانية، أو باق في مكتبه من دون عمل، حتى يكفيه الله “شر الفايس بوك”.

مقالات ذات صلة