-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حفلات الأعراس.. الواقع والمآل

سلطان بركاني
  • 6092
  • 0
حفلات الأعراس.. الواقع والمآل

المتأمّل لتطوّر واقع الأعراس الجزائريّة، يلحظ كيف أنّ الحفلات اللّيلية الصّاخبة باتت سمة بارزة لأفراح كثير من الجزائريين في السنوات الأخيرة، وكأنّه أصبح لزاما على كلّ من أنعم الله عليه بتيسير أمور الزّواج أن يشكر الله في أوّل ليلة من حياته الزّوجيّة بأن يجاهر بالمعصية، ويجمع أهله وأقاربه وأحبابه وجيرانه، بل وأهل مدينة بأكملها على سماع كلمات تمجّد الخمور وتصف العيون والشّعور وترغّب في العلاقات المحرّمة والفجور، أغانٍ سجّلت في الملاهي والمراقص والحانات، يغنّيها مغنّون معروفون بالطّيش والانحراف والمغامرات، التي أزكمت الأنوف وملأت الصّفحات.

أغانٍ ساقطة ترافقها موسيقى صاخبة تصمّ الآذان ويفوق صداها صدى الأذان، وتدخل البيوت من غير استئذان، لتحوّل القلوب إلى ليل، واللّيل إلى ويل.. مرضى يتأوّهون، أطفال على فرشهم يتقلّبون، شيوخ يتأفّفون، عمّال مرهقون يحرمون الرّاحة وإرخاء الجفون.

أغانٍ ووصلات، يتنادى إليها بعض شبابنا الذين أضاعوا طريقهم في هذه الحياة، ليحوّلوا ساحة العرس إلى ما يشبه ملهى من الملاهي، يتنافس فيها الرّجال على الرّقص والتّصفيق وعلى الصياح والصّراخ!.. قبل عقود قليلة من الزّمان كان لا يتصوّر لرجل مسلم أن يرقص ويغنّي ويصفّق، لكنّ هذا الأمر أصبحا عاديا بين النّاس الآن والله وحده المستعان وإليه وحده المشتكى من هذه الحال التي أوصلنا إليها الشّيطان، يوم تنكّرنا إلا من رحم الله منّا لديننا ولعقولنا واتّبعنا خطوات عدوّنا الذي حذّرنا مولانا وخالقنا من اتّباع خطواته، فقال جلّ شأنه: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم)).

لا حول ولا قوة إلا بالله.. إلى أين يسير بنا الشّيطان، وإلى أين تسير بنا أنفسنا الأمّارة بالسّوء؟ ما كادت تمضي على رحيل رمضان سوى أيام معدودات حتى نسي كثير منّا الصيام والقيام وقراءة القرآن، ونسوا التوبة إلى الله في رمضان، وانطلقوا إلى حفلات الأعراس يطلقون العنان لأصوات الأغاني والألحان ويسمعون ويُسمعون أهليهم وأرحامهم وجيرانهم ما يُسخط الله الواحد الديان.. أهكذا يكون الفرح بنعمة الله؟ أهكذا يشكر الخالق جلّ في علاه؟ أهكذا يكون عرس عبد مؤمن يخشى نقمة ربّه ومولاه؟ أهكذا تكون أوّل خطوة على طريق بناء أسرة مسلمة؟ هل نلوم بعد كلّ هذا أطفالا في سنّ الرّابعة والخامسة حين نفاجأ بهم يردّدون أغاني الأعراس بكلماتها السّافلة، ويتحدّثون عن الخمور والنّساء بكلمات تمجّها النّفوس العاقلة؟ وهل نعجب بعد كلّ هذا إذا سمعنا بزواج لا يدوم إلا أشهرا معدودات من الوفاق ثمّ يكون الشّقاق والطّلاق؟ هل نعجب بعد كلّ هذا بأزواج يبتلون بالوساوس والهواجس وتتسلّط عليهم الشّياطين في الأيام الأولى للزّواج؟ كم من عروس طلّقت أياما أو أشهرا قليلة بعد الزّواج؟ كم من عروس سعدت بعرسها صيفا وبكت على طلاقها خريفا؟ كم من زوجة وكم من زوج أصيب بالمسّ أو السّحر أياما بعد ليلة العمر؟ كم من زوجة هي الآن تعاني القلق والاضطراب النّفسي؟ وكم من زوجة هي الآن تعضّ أصابع النّدم على زواجها وتبكي بالليل والنّهار؟ إنّه حصاد تلك الليالي البيضاء التي قضيت على تلك الأغاني الحمراء.. إنّه حصاد مبارزة الله بالمعصية في ثلث الليل الأخير.. إنّه حصاد ذلك الظّلم الذي ألحقه أهل العريس بالنّاس من حولهم. هذا هو حصاد تلك اللّيلة التي يقال أنّها ليلة وتمضي. نعم هي ليلة تمضي ساعاتها، ولكنّ ضريبتها لا بدّ أن تدفع عاجلا أم آجلا.

إنّ واقع أعراسنا لا يبشّر ولا ينذر بخير. إذا رضينا الآن بسماع هذه الأغاني السّافلة في أعراسنا ورضينا أن تشرب الخمور في ساحات بيوتنا.. فربّما لن تمضي إلا سنوات معدودات حتى نسمح بالخمور أن توزّع في أعراسنا كما توزّع المشروبات.. ولن تمضي بعدها إلا سنوات حتى نرضى لنسائنا أن يخرجن إلى ساحة العرس ليشاركن الرّجال الرّقص والتّصفيق.. ولن تمضي بعدها إلا سنوات حتى نرضى بأن يراقص الرّجال النّساء على وقع صوت الغناء وعلى وقع قرع زجاجات الخمر.. وبعدها يعلم الله إلى أين ستنتهي بنا الحال.

إنّنا لا ندعو إلى البكاء والحزن في الأفراح، وإنّما ندعو إلى إعلان الفرح بما أباح الله.. البديل موجود ولله الحمد في الأناشيد الإسلاميّة التي تحمل كلمات هادفة تحثّ على الخير، وترافقها أصوات دفوف يعلن بها النّكاح وتنال معها الأفراح، في ساعات من نهار أو سويعات من ليل لا تتعدّى منتصفه. فلماذا يصرّ بعضنا على ترك هذه البدائل واتّباع خطوات الشّيطان؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!