-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حمس.. صدام الدعوة والثروة

محمود بلحيمر
  • 10472
  • 1
حمس.. صدام الدعوة والثروة

بات مؤكدا الآن أن حركة مجتمع السلم «حمس» قد انشطرت إلى تيارين. غير أن الأمر لا يتعلق بحلقة جديدة من سلسلة الحركات التصحيحية التي عرفتها عدة أحزاب جزائرية، فأزمة حمس تعكس المأزق الحقيقي الذي وصله أنصار التيار الإسلامي التشاركي، أي الذين يتبنّون خيار المشاركة السياسية السلمية في المؤسسات السياسية الموجودة، بدلا من المعارضة المتشددة للسلطة واستعمال العنف ضدها.

  •   
  • عندما أقحمت حمس نفسها في السياسة كان شعارها المشاركة في التسيير وفي إدارة المؤسسات السياسية للدولة. ويحمل هذا معاني عدة منها أساسا التغلغل في أجهزة الدولة وكسب المواقع والتدرب على التسيير وضمان تطبيق حد أدنى من البرنامج السياسي للحركة، والتي يستند إلى قيم الدين الإسلامي كمرجعية إيديولوجية.
  • كانت حمس تتوقع أن مثل هذا الخيار سيمكنها من تحقيق بعض المكاسب في وقت كان العنف الأعمى سيد الموقف في الجزائر بعد إقدام جناح من التيار الإسلامي (التكفيريين وجناح من الفيس) على إعلان الجهاد ضد السلطة وقيام هذه الأخيرة بحملات قمع ضد الإسلاميين. لكن في ذات الوقت، كانت السلطة قد حققت مكاسب من مشاركة حمس في المؤسسات، بحيث سيظهر نظام الحكم بعدها أنه وسع من قاعدته الاجتماعية لتشمل التيار الإسلامي المعتدل وليبرر قمعه للتيارات العنيفة.
  • السنوات الأخيرة بينت أن المشاركة السياسة، بالكيفية التي مارستها حمس، كانت جد مكلفة للحركة؛ بحيث أثرت سلبيا على شعبيتها وأدت إلى تراجع ثقلها السياسي في المجتمع، ومرد ذلك لعدة أسباب؛
  • فلقد انتقل المناضلون الإسلاميون من أوساط الدعوة في المساجد والجامعات والأحياء ليحتلوا مواقع في الحكومة والبرلمان والمجالس المنتخبة حيث أن قواعد اللعبة هناك مختلفة تماما عن الأجواء السابقة، ومن الطبيعي أن ينصهر هؤلاء الوافدون الجدد في بيئة الحكم، ويبتعدون تدريجيا عن بيئتهم السابقة، فكان أن نشأت فجوة بين السياسيين والمناضلين في القاعدة كون هؤلاء يتهمون »إخوانهم« بانسياقهم وراء السياسة والمناصب على حساب الدعوة.
  • وهكذا واجهت السياسة التشاركية لحمس مشكلة الانصهار الكلي في السلطة، ولم تفلح في الإجابة على التساؤلات التي يطرحها أنصارها من المناضلين الإسلاميين في القاعدة، سيما شباب المساجد والمتدينين من الإطارات وحتى الطبقة الوسطى.. فتكهربت العلاقة بين الحزب وقاعدته، وهي مصدر قوته، وبالتالي بدأ يخسر امتداداته في أوساط المجتمع.
  • وبصورة أوضح، كانت حمس خلال العشرية الأخيرة إلى جانب الأرندي والأفالان في تحالف سياسي واحد يتولى تسيير الحكومة، ويرى مناضلو حمس، مثلهم مثل المواطن العادي، أبو جرة كمسؤول ومشارك في نتائج ساسة نظام الحكم، من ذلك تزوير الانتخابات وانتشار الفساد وتثبيت الأدوات التسلطية وتدهور معيشة الجزائريين وفشل الاقتصاد، ولن يستطيع التنصل من ذلك لأنه ليس منطقيا أن يتبوأ مناصب المسؤولية في حكومة ثم ينتقدها ويتبرأ من نتائج سياستها..
  • وزيادة على أن المشاركة باتت ورطة جعلت حمس تتحمل كل عيوب السلطة وتدافع عنها ولم يجد أبو جرة وأصحابه مخرجا لذلك، أخفق الإسلاميون، بمن فيهم الذين يتبعون الإصلاح والنهضة، في تقديم أنفسهم كبديل متميز عن مختلف الأحزاب الأخرى لما مسكوا برأس المؤسسات. فتسيير الإسلاميين للمجالس المنتخبة، على سبيل المثال، خلف نتائج كارثية تتشابه مع تلك التي رأيناها مع منتخبين عن الأرندي والأفالان والمندوبيات التنفيذية وأحزاب أخرى من كالرشاوى وسوء تسيير العقار وغيرها.. ومؤخرا نقلت الصحافة أن نائبا إسلاميا صفع شرطيا في المطار أمام مسمع ومرأى الناس.. وهذه الصورة التي أعطاها الإسلاميون عن أنفسهم لما يلبسوا قميص السلطة تجعل انجذاب الناس نحوهم يتراجع، ليس لكونهم لا يملكون حلولا لأزمات الناس كالاقتصاد والشغل ولكن لأن الناس سئموا خطابا يتغنى بالقيم الدينية والأخلاق العالية، إلى درجة أن البعض يضعه في مرتبة »القداسة«، ثم يجدون في الميدان سلوكات مغايرة..
  • من جانب آخر، لقد قادت السياسة التشاركية مسؤولي الحركة إلى نسج علاقات جديدة في دواليب السلطة فارتبطوا بمصالح وامتيازات ريعية لا يمكن لهم التضحية بها بسهولة، وبالتالي لقد حصل صدام بين مبدإ الدعوة التي انطلقوا منها والثروة والمزايا والنفوذ وشبكة المصالح التي نسجوها. فلا ننسى أن النظام الحكم ذو طبيعة ريعية صرفة..
  • وهذا ما عبر عنه مصطفي بلمهدي، رئيس حركة الدعوة والتغيير، أول أمس، في حوار لـ»الشروق اليومي«، حيث قال: »إن الانحراف بدأت بوادره عندما أصبحت الدعوة في خدمة السياسة بدل أن تكون السياسة في خدمة الدعوة، وأصبحت الغاية تبرر الوسيلة من أجل الوصول إلى المواقع والبقاء فيها«. بلمهدي تحدث أيضا عن »مواقف اتخذت من دون شورى وحلت محلها الديكتاتورية والمبادرات الفردية غير المحسوبة الوقائع مثل الاستوزار وملفات الفساد والإعلان عن المشروع الإسلامي انتهى..«.
  • ما يحدث في حمس هو أيضا نتيجة حتمية لظاهرة مرضية تعانيها كل الأحزاب الجزائرية، مثلها مثل السلطة، تتمثل في غياب الديمقراطية داخلها، وبالتالي فهي لا تستطيع احتواء نزاعاتها وفق الحوار والطرق النظامية، فيقع الانفجار بمجرد ما تطفو الخلافات على السطح. ولدينا في هذا الصدد أمثلة كثيرة في سلسلة الانشطارات التي خضعت لها عدة أحزاب جزائرية آخرها حركة الإصلاح التي كان يقودها عبد الله جاب الله.
  • وينبغي أن نلاحظ أيضا أن للسلطة يدا، بصورة أو بأخرى، في كثير من الحركات التصحيحية التي عرفتها عدة أحزاب، منها أساسا أزمة »الأرندي« في شتاء 1999 عندما طمع فريق الطاهر بن بعيبش تقديم مرشح عن الحزب بدل مساندة بوتفليقة الذي أريد له أن يكون مرشح السلطة آنذاك، ثم ما حصل مع الحركة التصحيحية في »الأفالان« عندما حاول علي بن فليس منافسة بوتفليقة عن الرئاسة في أفريل 2004.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • بدون اسم

    هل يمكن أن ينجح الطالب أحمد في قيادة التغيير بعد فشله في قيادة حمس