الرأي

حول شعار “8 أشهر بركات”

حسان زهار
  • 1523
  • 10
ح.م

يخطئ كثيرا، من يعتقد أن المسيرات التي ظهرت مؤخرا دعما للانتخابات، هي كلها مدعومة من السلطة، وأن كل من فيها “كاشريست”.

ويخطئ أكثر، بل يكون واهما، من يتصور أن هذه المسيرات كلها مبرمجة، وليس فيها شيء من العفوية، والكثير الكثير من نبض الشارع المغيب، نبض الجزائر العميقة البعيدة عن نبض جزائر أودان والبريد المركزي.

في هذه المسيرات التي بدأت تعم مختلف الولايات داخل الوطن، شعارات معروفة يعرفها الشارع، خاصة في حراك الأسابيع الأولى، لكن فيها أيضا شعارات ترفع لأول مرة، ولعل أهمها على الإطلاق، هو شعار “ثمن سنين بركات”.

يذكرنا هذا الشعار الموغل في التاريخ، بأحداث أليمة أخرى وقعت بعد الاستقلال، بين أخوة السلاح، حين رفعت البندقية الجزائرية في وجه الإنسان الجزائري، وتحول رفاق الكفاح بالأمس إلى أعداء بسبب المصالح السياسية الضيقة، قبل ان ينتفض الشعب الذي لم يهنأ بفرحة استقلاله، ويخرج إلى الشارع يهتف “سبع سنين بركات”.

وقتها أدرك الشعب أنه آن للمهزلة أن تتوقف، وأن الجزائر لا يمكنها أن تمضي للأبد في بحور الدم، وأن لغة العقل يجب أن تعود من جديد.

الآن نسمع نفس الألم تقريبا، من أعماق أعماق الجزائر المنسية، يخرج جزائريون بسحنة مختلفة، وبشرة أكثر سمرة وارتباطا بالأرض، يحمل الكثير منهم لباس “القشابية” التقليدية، التي كانت زمن الثورة بمثابة سلاح إلى جانب البندقية، تقاتل قساوة البرد كما تقاتل البندقية عنجهية المستعمر، ليهتفوا بقلوبهم الطيبة التي لا تحمل أحقادا ولا تخوينا، بحياة الجزائر وحدها.

وطبيعي بعد ذلك، أن تجد هذه المسيرات، من ينعتها بأبشع النعوت وأقساها، فهناك من يخوّن أصحابها وهم لم يخونوا أحدا، وهناك من يرى فيهم مرتزقة وهو لم يشتموا أحدا، وهناك من يرى فيهم عبيدا، فقط لأنهم أعلنوا استمرار أخوّتهم الأبدية مع الجيش الوطني الشعبي (جيش شعب خاوة خاوة).

والسؤال البديهي الذي يجب أن يطرح الآن، هل هؤلاء جزائريون أم لا؟ وهل من حقهم التعبير عن مواقفهم، أم هم مواطنون من الدرجة الثانية لا يحق لهم معارضة حراك “مواطني الدرجة الأولى”؟

كيف يكون الذين مع الجيش ومع حل الانتخابات مواطنين “كاشيريست”، كما يسميهم البعض بهتانا وزورا، بينما لا يكون من يرفعون شعارات مناقضة “بانانيست” مثلا؟ اذا دخلنا في دائرة التخوين والاستهزاء فلن ننتهي منها أبدا، وبالتالي من المهم احترام جميع الآراء، وعدم التفرقة بين الجزائريين بسبب مواقفهم السياسية، وإلا فقد دخل دعاة الحرية في منطق الأبارتيد، وسقط أنصار الديمقراطية في دائرة العنصرية والإلغاء.

لا يمكنك أن تكون ديمقراطيا، وتستمع إلى صوتك فقط، لا يمكنك أن تدعي الحرية وتحارب من أجل حريتك فقط، فعل ذلك الاستئصاليون بداية التسعينات من القرن الماضي، عندما رفعوا شعار الديمقراطية، ثم انقضوا عليها في أول فرصة، عندما جاءت نتائج الصندوق بما لا تهوى أنفسهم.

أنصار الانتخابات هم أيضا بالملايين، والجزائريون الذين لا يمكنهم نكران فضل جيشهم في حماية حراكهم، ومنع سقوط الدماء، وإدخال رؤوس العصابة إلى السجون، والحفاظ على الدولة من الانهيار، من حقهم هم أيضا أن يخرجوا ليدافعوا عن شرف من يدافع عنهم، ويحمي ظهورهم، ويصون أمنهم.

القضية ليست قضية مسيرات مؤيدة أو معارضة، ولا من هو أكبر عددا وأكثر جندا، والتنابز بحجم المسيرات على طريقة زبيدة عسول (قدرت مسيرات الجمعة 37 بـ29 مليونا)، من حيث الحجم والانتشار، لا يحل المشكلة إطلاقا، إلا بالعودة إلى الصندوق، وحينها ستنكشف الأعداد الحقيقية من المشاركين، ومن المقاطعين أيضا.

الصندوق وحده ما يفصل بين موقفين متصلبين، وبين شارعين متنافرين، وقد جربنا المسيرات ثمانية أشهر، ولم تحل المشكلة، حتى خرج من يصرخ ثمانية أشهر بركات، والمطالبة بحقهم في الذهاب إلى الانتخابات.

في النهاية، من حق كل طرف أن ينام على الجنب الذي يريحه، من أراد أن يواصل الصراخ في الشارع فالشارع مفتوح وهو أولى به، ومن أراد أن يسمع صوته في الصندوق، ليس بمقدور أحد، انطلاقا من فكرة الحرية ذاتها التي يدافع عنها أنصار الشارع، أن يمنعه.

مقالات ذات صلة