خسائر التدمير وخسائر التجبير
الأحداث المؤسفة التي تشهدها مختلف أنحاء الجزائر هذه الأيام والتي خلفت خسائر بآلاف الملايير لم تتفق الجهات الحكومية المسؤولة على إعطائها تفسيرا واحدا أو تتفق على مصدرها وأسبابها اتفاق حكومة واحدة في بلد واحد.. ففي الوقت الذي اعتبرت ضمنيا من طرف رئيس الحكومة وعدد الوزراء المجتمعين كنتيجة لرفع أسعار مادة السكر والزيت بتلك الصورة الفاحشة، واتخذت إجراءات في هذا الاتجاه، في هذا الوقت خرج وزير الداخلية خرجة أخرى من خلال إطلالته من التلفزيون مساء أول أمس وأرجع أسباب هذا الانزلاق المأساوي إلى عدم الرضا عن كيفيات توزيع السكنات الجديدة وقرار السلطات بالقضاء على السكنات الهشة والقصديرية، دون أن يشير إلى رفع الأسعار أو تدهور القوة الشرائية، في حين أن القطرة التي أفاضت الكأس هي التصريح الذي أدلى به وزير التجارة مساء الأربعاء الماضي لنفس التلفزيون والذي أرجع فيه قرار رفع أسعار مادتي السكر والزيت إلى ارتفاع أسعارهما في الأسواق والبورصات العالمية.
-
هذه المواقف المتناقضة بين أعضاء الحكومة الواحدة وفي مواقف الوزير الواحد والمسؤول الواحد في كثير من الأحيان، هي التي كانت دائما عامل تغذية لنشوء الأزمات الاجتماعية والاقتصادية واحتقان الأوضاع التي كثيرا ما أدت إلى أحداث مأساوية مثل التي نعيشها اليوم، لأنها كثيرا ما تؤدي إلى إشعال حماس المضاربين والمتربصين ليس فقط في اتجاه رفع الأسعار وتحقيق الأرباح الفاحشة وغير الشرعية، ولكن أيضا في اتجاه ممارسة الابتزاز والضغوط السياسية على الدولة ومؤسساتها وقوانينها، والتي لا تجابه إلا بالإجراءات المترددة والمتخاذلة وحتى بالحماقات التي لا تراعي سوى مصلحة المسؤولين من مختلف المستويات والنظام بصفة عامة على حساب المصالح الأساسية للبلاد والعباد من استقرار اجتماعي وسياسي واقتصادي وأمني.
-
فما معنى أن تمارس الحكومة القائمة الشيء ونقيضه في نفس الوقت، أي أن تشعل الحريق وتهب إلى إطفائه، تفتعل ارتفاع الأسعار، ثم تهب إلى خفضها، تتسبب في التدمير ضد الممتلكات العمومية والخاصة وتسرع إلى التجبير على حساب الخزينة العمومية، وهذه هي تكاليف سياسة شراء السلم الاجتماعي التي تمارسها حكومات النظام الجزائري المتعاقبة بمختلف الأساليب والأشكال دون مراعاة العواقب الوخيمة، حتى أنه يمكن لأي ملاحظ أن يلاحظ أن إرهاصات هذه المحنة التي تعيشها البلاد اليوم موجودة ليس منذ إعلان وزير التجارة عن رفع الأسعار فقط، ولكن منذ التدخلات المتغطرسة لرئيس الحكومة وردوده على النواب في غرفتي البرلمان خلال عرض السياسة العامة للحكومة، والتي اتسمت بنفس التحدي والاستهتار الذي مافتئ يبديه للملأ منذ اعتلائه عروش المناصب العليا خلال تسعينات القرن الماضي وممارساته للسياسات الاقتصادية والاجتماعية المؤلمة والمجانية في حق المجتمع والتي وصلت إلى حد مد يده إلى جيوب وأجور العمال والموظفين البسطاء للاقتطاع منها لإرضاء المضاربين وخدمة سياساتهم.
-
ولكن بدل أن تعاقب هذه الحكومة أو أعضاؤها المسؤولون عن الوضع وتقال من المناصب على الأقل، ها هي تكلف نفسها من جديد بمهمة تجبير ما أفسدته وما تسببت فيه من مآس وكوارث، فإلى متى والجزائر تسير بمثل هذه الحكومات وهؤلاء المسؤولين الذين يلجأون إلى رمي البلاد في الفوضى كلما أوصلهم عجزهم وضيق أفقهم إلى عنق الزجاجة؟!