الرأي

خطاب حمالة الحطب

عمار يزلي
  • 1375
  • 3
أرشيف

عندما ساوى سعيد سعدي، أيام الانتخابات التشريعية الملغاة، بين من سماهم “بالطاعون والكوليرا”، اللذين كان يقصد بهما وقتها “الفيس المنحل والأفلان”، كان يعرف أن “الطاعون” قد يتم القضاء عليه إداريا وسياسيا، دون أن يقضى عليه نهائيا، وأن “الكوليرا” باقية وتتمدد. كان يتصور من خلال “عقله” الكبير وهو الدكتور النفساني “العقلاني”، صاحب الحزب الصغير الذي اعتقد أنه أكبر من الطاعون والكوليرا.. (ربما كان يرى نفسه “سيدا”..)، حتى إنه “أخطأ في الانتماء”، أن “الينايريين” سيعترفون له “بالناير” ويدعونه إلى مأدبة عشاء.. أخيرا، بمناسبة جنازة الكوليرا، (الأفلان) الذي كان يعد له النعش منذ أكتوبر 88، وإلى غاية اغتيال الراحل بوضياف الذي كان سيوزّره. غير أنه وجد نفسه يقصى من طرف “الكوليرا” وينتهي عمله وتنتهي مهمته مع الطاعون. وسعدي، لا يزال يساوي بين الكوليرا والطاعون اللذين بقيت خلاياهما الجذعية نائمة إلى حين.. بعد أن حاربت الكوليرا السياسية الطاعون السياسي.. وتغلبت عليه، لكن هذا زاد في تفشي الكوليرا اجتماعيا. لست أدري كيف كان سيعادل اليوم سعدي بين الأرندي والأفلان، هل بنفس التوصيف الفرنسي: الطاعون والكوليرا، أم بتوصيف باثولوجي آخر من نفس فصيلة الدم؟ هو يعلم أن شريك الأفلان خرج من نفس الرحم.. ومن تحت العباءة؟ نفس الشيء بالنسبة إلى بقية الأحزاب المجهرية، بما يعني أنها قد تحمل خلايا مرضية من نفس الطائفة الوبائية؟ كيف سيكون توصيفه اليوم للأرندي توأم الأفلان؟ هل هو التيفوئيد؟ بوحمرون؟ الجرب؟ التيفوس؟ أم وباء الكوكايين؟ أكيد، سيدعي أن كل هذه الأوبئة قاتلة وأنها تتساوى كلها، إلا حزبه وبرنامجه الذي لم يجد شعبية في مجتمع.. ليس هو مجتمع سعدي الذي اعتقد أنه مجتمعه.

سعدي الذي صمت الآن ولم يعد يتحدث إلا قليلا، في محاولات يائسة لتذكير الناس به وقد نسيه حتى حزبه، عن طريق فرقعات إعلامية بعد أن صار مؤخرا “مؤرخا”.. يريد الآن وقد بدأت الترتيبات لما بعد 2019، أن يبدو وكأنه متنبئ معاصر. سيقول: لقد ساويت لكم بين الطاعون والكوليرا.. وكنت على صواب، وهاهي الكوليرا والكوكايين تدخل سباق الاستحقاق: فإما أن تختاروا “السيدا”، أو تختاروا القطيعة مع كل الأوبئة القاتلة أو تسلموا أنفسكم للفناء.

خطاب الفتنة يجهز الآن قبل الأوان مسببا حالة إحباط غذتها أشكال الإخفاقات التي اقترفتها الحكومات المتعاقبة في كل المجالات ومن بينها الصحة العمومية، وليس مستبعدا أن تتدخل أطراف كثيرة من نفس الفصيلة الاستئصالية في الداخل، مدعومة من الخارج.. لزعزعة الوضع.

أطراف الوباء كثر، وذبّاح البقرة أكثر.. والخطاب التيئيسي المحبط، الذي سببه الخطاب الرسمي من خلال سوء تسيير الأزمات بشأن الكوكايين والكوليرا وبقية الملفات، هو ما جعل وسائط التواصل الاجتماعي تملأ الفراغ بكل ما لديها من.. فراغ.. وإشاعة، وسخرية، وأخبار ملفقة وتحاليل بلا محلول، وتوصيفات على غير الموصف ووصفات على غير واصف. إننا نخبز عجينا من طين ونقدم أرغفة خبز مسموم دقيقه الدين، دون دراية ولا قراءة واقعية لغياب المعطيات وللتستر السياسية والإداري على المعلومة والتعامل معها تعامل سلطة الحزب الواحد: التعتيم والمنع.. دون التحكم. فالتحكم في الأوضاع وفي المعلومة، يقتضي التحكم في تسييرها، تماما كما نتحكم في وباء بتحكمنا في جذوره وطرق التحصين والحماية والتبليغ والعمل الاستباقي.

هي هذه حالنا، مع الأمراض النفسية والوبائية والسياسية: لا نستبق المرض، بل ننتظر حتى يحل الوباء، بعد أن نكون قد وفرنا له ظروف وأرضية الانتشار ثم نسكت عنه طويلا.. حتى يتفشى.. وتكون الكوليرا قد تحولت.. إلى طاعون..

مقالات ذات صلة