الرأي

دروسٌ من إفريقيا! 

ح.م

الوضع الذي وصلته الجزائر في جميع المجالات، يتطلب قبر العديد من الأسطوانات بعد تكسيرها، إن لم نقل جميعها، التي خرَم بها آذانَنا وعقولنا كل الرؤساء الذين مرّوا على البلاد، من واصفٍ للشعب بالعظيم والعبقري وداع إلى رفع الرؤوس لتناطح السحاب، ووصل الأمر أن دعا رئيس حكومة جزائري المواطنين إلى الرقص واللهو إلى حدّ الثمالة، مادام البترول يدرّ الأموال الطائلة على الخزينة.

لا يوجد شعبٌ عظيم، كما لا يوجد شعب مختار من الله، فالعمل العظيم وحده ما أوصل اليابان وفيتنام وتركيا والبرازيل وإندونيسيا إلى مقارعة الكبار، ولا يمكن للجزائري أن يكتفي ذاتيا فلاحة وصناعة بإدخال أفراد العصابة السجن واسترجاع الأموال فقط، وإنما بالعمل الذي مازال مغيّبا عن كل الأحاديث المطروحة، من طرف المنظّرين لغد الجزائر، سواء من الشعب بكل أطيافه أم من السلطة بشطريها المدني والعسكري.

هناك نماذج كثيرة لبلدانٍ إفريقية لا تمتلك نسبة ضئيلة من الإمكانات المادية والبشرية والمناخية والتاريخية التي تمتلكها الجزائر، ولكنها تمكَّنت من القيام بقفزة نوعية، صارت مضربا للمثل في العالم.

كيغالي، العاصمة الرواندية التي كانت منذ 25 سنة فقط، تعجّ بجثث قتلى الحرب الأهلية، ويموت أهلها إما بالجوع أو بالإرهاب، تحوّلت إلى أنظف مدينة وأجملها في القارة السمراء، وأذكاها في العالم إذ تُغطى بنسبة مئوية كاملة بشبكة الإنترنت، كما تمكنت أنغولا في قلب أدغال القارة السمراء، وكانت نسيا منسيا، بالرغم من بعدها عن القارة الأوروبية، من التحوّل في ظرف ثلاث سنوات إلى واحدة من عواصم السياحة العالمية، ويعدّ معدل نمو الاقتصاد الإثيوبي حاليا من أقوى المعدلات في العالم، في بلدٍ ارتبط سابقا بالمجاعة والجفاف، فتحوّل بإيمان أهله بالعمل، إلى بلدٍ قوي بسكانه المتحضرين الذين تجاوزوا المائة مليون نسمة، وقدَّمت تونس في تجربتها الديمقراطية، وعيا شعبيا وضع العصبية والقبلية والعواطف الدينية جانبا، وبحث لوطنه عن رجل نزيه ومتمكِّن قادر على إخراج تونس من عنق الزجاجة، كما تعامل مع وفاة رئيسه “الهارب” زين العابدين بن علي بلباقة جمعت الشعب والدولة في بوتقة واحدة.

وصرنا نتابع بإعجاب ودهشة، وجود دول إفريقية، كانت متهمة بالتخلّف والبدائية، في المراتب الأولى في تقلص درجة الفساد فيها وفي صرامة العدالة وانقراض الظلم واحترام القوانين، ومازلنا نكرّر نفس الأخطاء المرتكبة منذ عقود إذ يكثر الكلام ويقلّ العمل.. عفوا ينعدم!

صحيحٌ أن الذين يُحضّرون حاليا للانتخابات الرئاسية القادمة هم في غالبيتهم من الوجوه القديمة، وصحيح أن الذين سيترشحون هم في غالبيتهم من الأرانب التي سهّلت مرور العصابة، ولكن الصحيح أيضا أن الشعب أو الذين تبنَّوا الحَراك هم في غالبيتهم من الذين صفقوا أو صمتوا على ما حدث في سنوات الضياع التي عرفتها البلاد.

وواضحٌ أن فتح صفحة جديدة بالكامل من دون نقطة سوداء واحدة في غير الإمكان، ليس بسبب خلوّ البلاد من النزهاء، وإنما بسبب استحالة إقناع الناس بنزاهة الآخرين، ولكن اتحاد الجوانب الحسنة في كل الناس من سلطة وشعب، هو ما سيصنع المعجزة كما قال الرئيس الرواندي الشاب بول كاغامي عندما سألوه: كيف حوّلتم بلدكم من نارٍ إلى جنة؟

مقالات ذات صلة