-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

دعاوى الجاهلية مكانها تحت الأقدام

سلطان بركاني
  • 971
  • 0
دعاوى الجاهلية مكانها تحت الأقدام

ليس هناك مسلمٌ جزائريّ أو مسلم تونسيّ أو مغربيّ أو ليبيّ أو مصريّ أو موريتانيّ، لديه مشكلة أو عداء للأمازيغية كلغة؛ فالأمازيغ والعرب إخوة انصهروا في بوتقة الإسلام الذي لم يجبر أحدا على ترك لهجته أو لغته؛ فلم يجبر الفاتحون الفرسَ على ترك لغتهم الفارسية، وهم إلى اليوم بعد 14 قرنا من الفتح الإسلاميّ لبلاد فارس يتكلّمون لغتهم، وكذلك الشّأن مع سكّان جنوب شرق آسيا الذين لم يحُل بينهم وبين لغاتهم حائل، وهذا ينطبق كذلك على سكّان شمال إفريقيا الذين لم يجبرهم أحد على ترك لغتهم الأمازيغيّة، إنّما دعاهم الفاتحون إلى الإيمان بالله الواحد الأحد والإيمان بالنبيّ الخاتم محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم.

 سجّل التاريخُ لأمازيغ شمال إفريقيا أنّهم قاوموا الفتح الإسلاميّ في البداية حينما لم يعرفوا حقيقته وظنّوا أنّه مثل الغزو اليونانيّ والفينيقيّ والبيزنطيّ والونداليّ، لكن حينما تبيّنت لهم حقيقة الإسلام وعرفوا أنّه الرّسالة الخاتمة التي تحرّر العباد من الخضوع للعباد إلى الخضوع لربّ العباد، وترفع الإنسانَ بعمله وسعيه وليس بلغته ولونه؛ اعتنقوه، وساروا مع الفاتحين يجاهدون في سبيله، وأتمّوا حركة الفتوحات في شمال إفريقيا وفي الأندلس..

وإن نسي الأمازيغُ الأحرار فإنّهم لن ينسوا أنّ القائد الأمازيغيّ طارق بن زياد جهّز جيشا تعداده 20 ألف أمازيغي، عبر بهم البحر لفتح الأندلس، في وقت لم يمض على دخول الأمازيغ في دين الله سوى عقود قليلة. بل ظلّ الأمازيغ يغيثون الأندلس، ويشدّون من أزرها، وكانت جيوشهم قد عبرت البحر أكثر من مرّة لإغاثة إخوانهم المسلمين في الأندلس. ولن ينسى التاريخُ أبدا القائد يوسف بن تاشفين، ذلك القائد الصنديد الذي أدرك الأندلس من الضياع وأوقف التوغُّل الصليبي فيها ردحا من الزّمن.

لن ينسى التاريخ أنّ الأمازيغ كان لهم دورٌ مهمّ في تحرير مدينة القدس من الصليبيين خلال حملة صلاح الدين الأيوبي، حين كلّف الأمازيغ بحماية الزاوية الجنوبية الغربية للحرم القدسي، التي سُمّيت “حارة المغاربة”، وحينما سُئِل القائد المظفّر عن هذا الاختيار قال: “أسكنتُ هناك من يثبتون في البر، ويبطشون في البحر، من أستأمنهم على هذا المسجد العظيم، وهذه المدينة”.

ولن ينسى التاريخ -كذلك- أنّ الأمازيغ كان لهم دورٌ مهمّ في تحرير مدينة القدس من الصليبيين خلال حملة صلاح الدين الأيوبي، حين كلّف الأمازيغ بحماية الزاوية الجنوبية الغربية للحرم القدسي، التي سُمّيت “حارة المغاربة”، وحينما سُئِل القائد المظفّر عن هذا الاختيار قال: “أسكنتُ هناك من يثبتون في البر، ويبطشون في البحر، من أستأمنهم على هذا المسجد العظيم، وهذه المدينة”. وهناك ظلّ الأمازيغ يحرسون الأمانة، حتى خُذِلت المدينة سنة 1967م، ما ترتّب عنه احتلال حارة المغاربة من قبل الصهاينة.

هذه هي الحقيقة التي ظلّت راسخة في شمال إفريقيا، حتّى جاء الاستعمارُ الحديث، وسعى سعيا حثيثا ودؤوبا لإحياء تاريخ ما قبل الإسلام في شتى بلاد الإسلام التي دخلها، في مصر والشّام وفي المغرب الإسلاميّ.

يقول المستشرق “ث. كويلر يونغ”، أستاذ العلاقات الأجنبية ورئيس قسم اللغات والآداب الشرقية بجامعة برنستون الأمريكية، في كتابه “الشرق الأدنى، مجتمعه وثقافته”: “إنّنا في كلّ بلد إسلامي دخلناه، نبشنا الأرضَ لنستخرج حضارات ما قبل الإسلام، ولسنا نطمع بطبيعة الحال في أن يرتدّ مسلمٌ إلى عقائد ما قبل الإسلام، ولكنْ يكفينا تذبذبُ ولائِه بين الإسلام وبين تلك الحضارات”.

هذه الحقيقة ينبغي أن نعلمها ونتحدّث عنها بأصوات عالية: هناك مخطّطٌ استعماري بدأه الاستعمار، ويتولى العملَ عليه الآن وكلاؤُه وعملاؤه، يهدف إلى إحياء الجاهلية وإثارة النعرات في بلاد المسلمين؛ ففي بلدان المغرب الإسلاميّ -مثلا- يتلقّى أولياءُ الاستعمار دعما سخيا من فرنسا الماكرة التي تؤوي رؤوسهم وحاقديهم، وتحرّضهم على الإساءة إلى الإسلام ورجاله الفاتحين، وإثارة الفتن بين الأمازيغ والعرب، في الشعارات والمنشورات والأغاني العنصرية!

وكلاءُ الاستعمار، وخاصة الانفصاليون منهم، يعملون على إحياء الجاهلية التي كانت في الشمال الإفريقي قبل الإسلام، تحت غطاء “إحياء التراث”؛ عادات وطقوس وثنية لا يقبلها دينٌ ولا عقل، يسعى المغرضون لفرضها كأمر واقع في بلداننا، ونحن الذين أكرمنا الله بالإسلام الذي طهّر به عقولنا وقلوبنا من خرافات الجاهلية؛ تلك الخرافات القديمة التي تربط معتنقيها بآلهة متعدّدة تتصرّف كالبشر؛ يجري إحياؤها في بعض المناسبات والأماكن، كما لو كانت سننا مهجورة!

إنّهم يصرّون على العودة بنا إلى تاريخ ما قبل الإسلام الذي يسمّونه حضارة ونسمّيه نحن جاهلية، لا لشيء إلا لأنّهم يريدون تجريد شعوب المغرب الإسلاميّ من صبغتها الإسلامية ((صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُون))، إنّهم يوقدون في قلوبهم وقلوب أتباعهم حميَّة الجاهلية: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [الفتح: 26]. الحميّةُ المذمومة التي تقود صاحبها إلى جهنّم، الحميّة التي يوقدها المتربّصون في بلدان المسلمين، متغطّين بشعارات لا تنطلي إلا على السذّج.. فلا يجوز أبدا أن ينادي المسلمون إلى ولاءات تفرّقهم أوزاعا، وكما لا يجوز التنادي بحميّة الأمازيغيّة لا يجوز التنادي بحميّة العربية، وإنّما ينبغي أن نتنادى جميعا إلى رابطة الإسلام: يقول النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: “من ادَّعى دعوى الجاهليَّة، فهو من جُثَى جهنَّم”، قيل: يا رسولَ الله، وإن صام وصلى؟ قال: “وإن صام وصلَّى، تداعوا بدعوى اللهِ الذي سمَّاكم بها: المؤمنين، المسلمين، عبادَ الله”.

من حقّ الأمازيغيّ أن يتشبّث بلغته ويعتزّ بها، ومن حقّ العربيّ أن يعتزّ بعربيته، لكن من دون تعصّبٍ ولا تعدّ على الأخ المسلم المختلف معه في اللغة.. لا فضل لعربيّ على أمازيغيّ، ولا لأمازيغيّ على عربيّ، إنّما الفضل لأتقاهما لله وأعملهم بشرع الله.

إنّ من أعظم الذّنوب عند الله، السّعي بالتحريش بين المسلمين ببلدانهم أو لغاتهم ولهجاتهم أو أنسابهم، أو انتماءاتهم الطائفية، يقول النبيَّ صلى الله عليه وسلم: “أبغضُ الناس إلى الله ثلاثة: ملحدٌ في الحرم، ومبتغٍ في الإسلام سنّةَ الجاهلية، ومطَّلبُ دم امرئٍ بغير حقٍّ لِيُهَرِيقَ دمه” (البخاري). ويقول الحبيب -عليه الصّلاة والسّلام-: “إنَّ اللهَ قد أذهب عنكم عُبِّيَّةَ الجاهليةِ وفخرَها بالآباء. مؤمنٌ تقيٌّ، وفاجرٌ شقيٌّ، أنتم بنو آدمَ، وآدم من تراب.. لَيَدَعَنَّ رجالٌ فخرَهم بأقوامٍ إنما هم فحمٌ من فحْمِ جهنم، أو لَيكونُنَّ أهونَ على اللهِ من الجِعْلَانِ التي تدفعُ بأنفْها النَّتِنَ”.

دعاوى الجاهلية التي يروّج لها الانفصاليون ينبغي أن توضع تحت الأقدام ولا يجوز أبدا أن تُرفع في اللافتات والشعارات وتُنصب لها الأصنام، وإن أنسانا الشّيطان فلا يجوز أبدا أن ينسينا أنّ شفيعنا -عليه الصّلاة والسّلام- أوصى في خطبة الوداع قائلا: “ألا كلُّ شيء من أمر الجاهليَّة تحت قدميَّ موضوعٌ”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!