الرأي

رأيٌ في كتاب العربية للسنة الثانية متوسط

أوحيدة علي
  • 5843
  • 4

لقد لاحظتُ أن بعض الأساتذة المختصين في التربية وعلم النفس مهتمون بالمنظومة التربوية، ولكن اهتمامهم ينصبّ دائما على النظريات، والمقاربات، وبيداغوجية الأهداف، والمقارنة بينها من الناحية النظرية، فهذا جميل! ولكنه غير مفيد لأصحاب الميدان أثناء تحضير وتقديم الدروس داخل حجرات الدرس، ولا يفيد التلاميذ والطلبة مادامت تلك النظريات والمقاربات مثل: (المقاربة بالكفاءات) لا تظهر بأسلوب عملي بسيط في الكتاب المدرسي ليفهمه التلميذُ والطالب، ويتمكن الوليُّ أيضا من متابعة ابنه في الابتدائي، ليكتسب معلومات ومفاهيم وطرائق تساعده على مواصلة التعليم بنجاح في المتوسط والثانوي.

لذا قال المربي الآن: “على الكتاب أن يكون المعلّم الرئيسي، وعلى المعلم أن يكون مساعدا للكتاب”، وهذا يعني أن الكتاب المدرسي يكون واضحا وموافقا لمستوى التلاميذ ومكتسباتهم السابقة، واستعدادهم وقدراتهم العقلية، والحسّية والوجدانية، والسؤال: هل تتوفر هذه المواصفات في كتب الإصلاحات؟!

تطرّق المؤلفون إلى حروف العطف في صفحة 19 دون أمثلة، ودون إعراب، واكتفوا بثلاثة حروف وهي: (الواو-الفاء-ثم)، بينما التلميذ يعرفها في السنة الرابعة من التعليم الابتدائي وهي: (الواو-ثم-الفاء-أو) أي يعرف أربعة حروف، وفي السنة الخامسة صفحة 97 يعرف ستة حروف وهي: (الواو-الفاء-ثم-أو-أم-بل) بأمثلة وجملة معرَبة تشتمل على حرف عطف. والسؤال: لماذا رجعنا بالطالب إلى مستوى أقل من السنة الرابعة الابتدائية؟!

كل من يطّلع على كتب الإصلاحات التي فُرضت على أصحاب الميدان يجدها فارغة، صمّاء، جوفاء، بل لا علاقة لها بالتربية والتعليم، لأن الذين ألفوها انطلقوا من الصفر، ولم يعتمدوا على مكتسبات الطلاب في الابتدائي، لأن المعرفة سلسلة متصلة الحلقات وفق مبادئ التدرّج؛ أي تعتمد المعلومات الجديدة على المكتسبات السابقة. ولكن هؤلاء الأساتذة لم يطّلعوا على الدروس التي قدِّمت للطلبة في الابتدائي ظنا منهم أنهم يدرون، وهم لا يدرون أنهم لا يدرون، ولذلك اعتمدوا على معارفهم الضحلة عن التعليم الابتدائي، وأمزجتهم الذاتية، وخبرتهم المحدودة، وعدم درايتهم بمبادئ تأليف الكتب المدرسية وشروطها وفق منهجية متتابعة الحلقات من الابتدائي إلى نهاية التعليم الثانوي. ولهذا أخطؤوا، ومن الأخطاء التي يمكن حصرها، أذكر الأخطاء التي لاحظتها في كتاب اللغة العربية للسنة الثانية من التعليم المتوسط على سبيل المثال:

l لقد تطرّق المؤلفون إلى حروف العطف في صفحة 19 دون أمثلة، ودون إعراب، واكتفوا بثلاثة حروف وهي: (الواو-الفاء-ثم)، بينما التلميذ يعرفها في السنة الرابعة من التعليم الابتدائي وهي: (الواو-ثم-الفاء-أو) أي يعرف أربعة حروف، وفي السنة الخامسة صفحة 97 يعرف ستة حروف وهي: (الواو-الفاء-ثم-أو-أم-بل) بأمثلة وجملة معرَبة تشتمل على حرف عطف. والسؤال: لماذا رجعنا بالطالب إلى مستوى أقل من السنة الرابعة الابتدائية؟!

l أما في صفحة 59 من نفس الكتاب فقد تطرّق المؤلفون إلى حروف نصب الفعل المضارع وهي: (أن-لن-إذن-كي) دون أمثلة، ودون إعراب، وهذه الحروف يعرفها الطالب في السنة الرابعة ابتدائي وهي: (أن-لن-لام التعليل-كي-حتى) بأمثلة وجملة معرَبة إعرابا مفصَّلا في صفحة 80. وأعيدت هذه الحروفُ في السنة الخامسة بأمثلة وجملة معرَبة إعرابا مفصلا في صفحة 46.

l أضف إلى هذا، فقد اشتمل الكتاب على درس (جزم الفعل المضارع) دون أمثلة، ودون إعراب، وتضمنت القاعدة ما يلي: ((حذف النون إذا كان من الأفعال الخمسة)) في صفحة 98، بينما الطالب لم يقدّم له الأستاذُ الأفعالَ الخمسة التي أدرجت في صفحة 104، فالذين لا يعرفون ترتيب القواعد والدروس، لا يعرفون مبادئ التدريس، والذين لا يعرفون مبادئ التدريس لا يعرفون أيضا مبادئ التأليف!

l ماذا يقول الذين يهتمّون بالنظريات التربوية، والمقاربات الخاصة بالعملية التعليمية- التعلمية إذا قلت لهم: لقد تطرّق المؤلفون أيضا إلى درس (الأفعال الخمسة) صفحة 103، بالصيغة التالية: «الأفعال الخمسة: هي أفعال مضارعة، اتصل بآخرها ألف الاثنين، أو ياء المخاطبة، أو واو الجماعة، وحكم إعرابها الرفع بثبوت النون، والنصب والجزم بحذفها» دون أمثلة لكل نوع، ودون إعراب؟! فهذا الدرس قدِّم لتلاميذ السنة الخامسة من التعليم الابتدائي صفحة 37 بأمثلة مفصلة (لألف الاثنين، وواو الجماعة، وياء المخاطبة، وجملة معرَبة إعرابا مفصَّلا)، والسؤال: ماذا أضفنا للطالب في السنة الثانية من التعليم المتوسط؟ بل لماذا نقدِّم له معلومات أقل من مستواه، بأسلوب مبهم غامض يفوق الطلاسم؟ أم أن (المقاربة بالكفاءات) التي اعتمدت عليها الإصلاحات منذ 2003 ترتكز على هذه المنهجية؟ أسئلة… وأسئلة تتبادر إلى أذهان أصحاب الميدان والمختصين والقارئين ليقفوا على المستوى المتدني للإصلاحات.

والسؤال أتركه للقارئ وأصحاب الميدان وللمختصين في التربية وعلم النفس قائلا لهم: ما هي المقاربة أو النظرية أو المنهجية أو الطريقة التي اتبعها مؤلفو الكتاب؟! أم أن (المقاربة بالكفاءات) غطاء ووسيلة للقضاء على اللغة العربية، واستبدالها بالعامّية؟ كما يحق لكل من له علاقة بالتعليم أن يتساءل: لماذا لا تشتمل كتب اللغة العربية للسنوات (1، 2، 3، 4) على كلمة واحدة معرَبة وفي الفروض والاختبارات والامتحانات يطالبون الطلابَ بالإعراب المفصَّل؟! ما السر والقصد والهدف من وراء هذا الاستهتار من تسعة أساتذة، من بينهم أستاذان من التعليم العالي؟!

إن الكتب المدرسية في عهد الإصلاحات هي التي هدمت أركان المنظومة التربوية، وبلّدت التلاميذ والطلبة من الابتدائي إلى الثانوي، وأتعبت الأساتذة، بل جعلتهم أضحوكة أمام المتمدرسين لأنهم كثيرا ما يجدون أنفسهم عاجزين على حلّ تمرين موجود في الكتاب المدرسي، أو كراريس التطبيق مثل التمرين التالي: ((طول مستطيل يساوي ضِعف عرضه، إذا زاد طول وعرض هذا المستطيل بـ3cm زادت مساحته بـ180 cm2. ما هما بُعدا هذا المستطيل؟)) هذا التمرين موجود في كراس الأنشطة الرياضية للسنة الخامسة من التعليم الابتدائي صفحة 47، فكيف لا يكره التلميذُ والطالب الرياضيات، ثم ينتقل هذا الكره إلى الأستاذ والمدرسة والأسرة والمجتمع كله؟ لأنه أصبح غير قادر على التكيف الإيجابي في المدرسة لصعوبة الدروس، وعدم قدرة الأستاذ على تبسيط المعلومات له.

وخلاصة الخلاصات إذا قارنا كتب التعليم الابتدائي مع كتب التعليم المتوسط، نجد أن المفاهيم والمعلومات في التعليم الابتدائي أحسن من التعليم المتوسط، وللقارئ له الحق أن ينقد وينتقد ويدلي برأيه. والسؤال: متى تلتفت النقابات إلى دورها التربوي؟!

مقالات ذات صلة