الرأي

رئيس الجمهورية: الرؤية المتبَصّرَة للمَوْروث التّاريخي بلا تَنازل عن الحُقوق

بومدين بوزيد
  • 535
  • 4

رسالة رئيس الجمهورية إلى الشّعب بمناسبة الذّكرى التّاسعة والخَمسين للاستقلال حَملت عبارات سياسية في رؤيته للتّغيير ب”منهجيّة التّدرج ومَطْلب النّجاعَة”، وهذا يؤكِّد أنّ لا تفاوض مع من يُنادون بالمرحلة الانتقاليّة أو الحراكيين الرّاديكاليين الذين يتوهّمون التّغيير الثّوري السّريع، ولعلّ بعد الانتخابات التشريعية -التي مهما اختلفْنا أو اتّفقنا على سيْرها ونتائجها- فإنها تؤكد عزم النّظام على السَّير في طريق مَرسوم سَلفاً في ظلّ الإخفاق السّياسي للمعارضة التي حاولت أن تَرضَع من الحَراك وتَخطِف أكسجين حياةٍ لنشاطها السّياسي الذي انحَصَر في “طائفيّة سياسيّة” تجاوزتها الأحداث وبعضها رَاهن على “العِرقية” و”الجِهة” و آخرون يَغْرفون من رُوح الانتقام وميراث التّسعينات، وبعضهم أصبح زعيماً شعبياً وأزْبَد وصَرخ لا تمثيل سياسي للحراك، وظلّ هؤلاء الزّعماء ينتقلون بين القنوات التّلفزية والمدن ويبشِّرون بقرب سقوط وتآكل النّظام، فكانت نبوءتهم سَجاحيّة ولم يدركوا التّكتيك السياسي والبراغماتية فضيّعوا على الجميع فرصة ميلاد “معارضة مُنظمة وقويّة” لأن ذلك يُفسِد عليهم أنانيّتهم وطموحهم ويُخرجِهم من لذّة واهِمة بأيديولوجيتهم الآسِنة.

إن المشهد السّياسي الحالي مسؤول عنه “أوهْام المعارضة” و”صِبيانيّة سياسيّة” لم تُفلح في قراءة واعيَة للواقع والمستقبل وخَوّنت من هم أقرب إليهم عاطَفة ورؤية، وتفرّق من حَولهم مَنْ إذا أظْلَم عليهم قامُوا، أو “كمَثَل الذي اسْتوقد نَاراً فلمَّا أضَاءَت ما حوله ذهبَ الله بنُورهم وتَركهم في ظُلماتٍ لا يُبصِرون” (البقرة 17) .

كما انتقَدَت رِسالة الرّئيس التّلاعب بالذّاكرة والتّاريخ والمنساقين وراء الدّعاية والتّضلِيل، والقصد هنا ما أصاب الأمير عبدالقادر الجزائري من سِهامٍ وأباطيل صَاحبُها لا يملك حَصافة المؤرخين وأخلاق العلماء ومنهجية المعرفة العلميّة، كما ردّ على تقرير بن جاما ستورا وتيّار “الذّاكرة المشتركة” بطريقة غير مباشرة أن لا تنازل عن الحقوق التي يَشترطها التّكفير والغُفران والعَفو.

ولكن ما العمل؟
كيف نُخلص ونعطي لمبادئ نوفمبر وقيم ثورتنا بعدها الوطني والعالمي؟
وكيف تكون قِراءتنا مُتبصِّرة وواعِية وجديدة لتاريخنا ولموروثنا الثّقافي؟

تلكم المعضلة الكبرى والتحدّي الأبرز وإنّها لكبيرة إلا على الذين يُدركون أن التّقدم والانتصار للمستقبل بالعلم والإخلاص الوطني، وبداية محاربة “الفساد في استغلال الموروث الثقافي” من أجل الغنيمة أو المصلحة الشخصية الآنية، إن الاستحواذ على الرمز من أجل نوايا سيئة مثل الذين يحاولون تحطيم الرّمزيات وتفجير الهُويّة.

ترى كيف نحتفل بالذكرى الستين للاستقلال مقابل بداية الاحتفال عند الفرنسيين بمرور ستين سنة على وقف الاقتتال بين الجزائريين والفرنسيين في شهر مارس؟، وفعلاً هناك برنامج عندهم لكلّ الشّهور القادمة، وقد طُبع تقرير ستورا في كتاب ووزّع في المكتبات بالآلاف وهو الذي قضى عُمره في الكتابة عن تاريخ الجزائر -ومهما اتفقنا أو اختلفنا حول بحوثه- فقد قدّم للباحث الفرنسي والجزائري والعالمي عشرات الكتُب والبُحوث، وسَتعرف المكتبة الفرنسية خلال أشْهر هذا الاحتفال زَخماً في التأليف حول ما يسمونه “حرب الجزائر” أو تاريخهم الاستعماري.

نحتاج إلى مُساءلة نقدية وموضوعية حول الاحتفالات السّابقة والتظاهرات الثقافية لنؤسس لاحتفال جزائري متميز بالذكرى الستين للاستقلال يكون في مستوى عظمة الثورة الجزائرية والحركة الوطنية وجهاد القرن التاسع عشر وعمق تاريخ هذه الأمة.

وإننا نأمل من السيد رئيس الجمهورية أن يَسند ذلك لنُخبة علميّة مخلصة تكون تابعة رأساً لرئاسة الجمهورية أو مؤسّسة بحثية متخصّصة ولها سمعتها الأكاديمية من أجل وضع برنامج ثرّي فكري وجمالي وفنّي وتلعب الدّبلوماسية الجزائرية دوراً في إعطاء البعد العالمي والإنساني للثورة الجزائرية.
إنّ تأسيس “هيئة للذّاكرة والتّاريخ” تحرّر موروثنا من “إدارة مُرهِقة” وبعضها قد يستهلك مالاً في النّفقات دون جدوى، كما يتحرر الاحتفال من البزنسة الثقافيّة باسم الوطنيّة

مقالات ذات صلة