الرأي
إعجاز اللّفّ والنّشـر

رحلة مع ذي القرنين

أبو جرة سلطاني
  • 765
  • 0

سبق عرْض قصّة موسى -عليه السلام- مع الخضر -رضي الله عنه- في ثلاثة مشاهد جمعها الوحيُ ثم نشر خبرها بتأويل معجز لأحداثها. ثمّ تلاها بذكر شيء من سيرة ذي القرنين شذرات متفرقة جمعتها ثلاثُ محطّات كبرى لرحلة طويلة بين المشرق والمغرب:

وفي كلّ محطّة كانت له غايةٌ تقصّدها قصدا آخذا بما آتاه الله من تطويع أسباب ومن تمكين له في أرض كانت تُطوى له طيّا فسُميّ ذا القرنيْن برحلة طويلة سار فيها حتّى بلغ مغرب الشّمس، ثم سار حتّى بلغ مطلعها، ثم سار حتّى بلغ بين السدّيْن.

في هذه المحطّات الثّلاث بسط الوحي شيئا من دروس هذه القصّة حتّى لا يكون سردها للسّائلين خبرًا تاريخيّا جافّا يجيب عن سؤال توجّه به خصوم هذا الدّين لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- طمعا في إحراجه بما يجهل: “وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ” (الكهف: 83)، من هو؟ ماذا كانت قصّته؟ ما هو الإعجاز في تجواله؟ كيف أمْكنه قطع ما بين المشرق والمغرب في رحلة معجزة أخذ فيها بأسباب أعطاه الله قدرة على استثمارها في فعل الخير وفي مواجهة الظّلم ووضع حواجز الخير بين الفساد والصّلاح؟

كلّ هذه التّساؤلات تولّى المولى -جل جلاله- الكشْف عن أهمّ مفرداتها وجلّى معانيها وبيّن مقاصدها دون إيغال في تفاصيل ليست من خصائص الوحي ولا هي من أساليب القرآن المجيد في عرض قصصه لغاية التّربيّة والموعظة أو بقصد التأسّي والاعتبار.. فلما تلقّى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- سؤالا مُغرضا عن خبر ذي القرنيْن تولّى الله -جل جلاله- كشْف بعض أسراره: “قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا” (الكهف: 83)، لتعلم يهود، ومن تواطأ معهم، أنّ المتكلّم هو الله -جل جلاله- وأنّه محيط بكلّ شيء علما وأنه يكشف بالوحي عن بعض ما يؤكد أنّ محمّدا ورسوله وأنّ ما يحدّثه به عن تاريخ السّابقين يقينٌ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

مقالات ذات صلة