الرأي

رسالتي إلى الدكتور زيد الخير

ناصر الدين الميلي
  • 11135
  • 17

سُعدت بلقاء الدكتور مبروك زيد الخير الأغواطي مرتين أو ثلاثا، وأشهد أن للرجل أخلاقا هي أعطر من زنبقة الوادي تنم عن دين مكين وتربية راسخة، كما أن فضيلة الدكتور شاعر مطبوع، ومتحدث مسترسل، فصيح العبارة، صاحب ملح واطلاع على لسان العرب.
ولعل حسن خلقه، وطيب معشره تجعله واسع الصدر لشيء من النقد الذي أروم أن أهمس به في أذنه، ومازال أهل العلم وطلبته على تراخي الدهور، وتطاول الزمان ينقد بعضهم بعضا من غير عداوة ولاشنآن.
استمعت للدكتور زيد للخير غير ما مرة في دروسه الدينية ولبعض مجالسه، وهو يشرح موطأ مالك فكانت تغلبه نزعته الأدبية، وهوايته الشعرية التي هي تخصصه الأكاديمي الأصيل عن عقلية الفقيه أو العالم الذي نذر حياته للعلوم الشرعية. كما أن الدكتور زيد الخير في المرويات حاطب ليل، وجماع حكايات وقصص لايدري من علم المصطلح والأسانيد قليلا ولا كثيرا كشأن الأدباء والقصاصين الذين تستهويهم الملح والطرائف والإغراب التي تفتن العامة من الناس.
تابعت الدكتور منذ أيام قليلة خلت، وهو يشرح حديثا في الطهارة من موطأ مالك، وأن غسل الوجه من أعمال الوضوء، كما لايخفى على أحد فطفق الشارح الكريم يستعرض محفوظاته من الشعر عن الوجه ومعنى الوجه واشتقاقات الكلمة في اللغة العربية وجعل يشرق ويغرب ويضرب في كل وادي، وكيف أن الإمام الشافعي بات ليلة عند الإمام أحمد، وكيف أن الإمام الشافعي بقدرة قادر صلى الصبح بوضوء العشاء لأنه بات يفكر في السبعين مسألة التي حلها في تلك الليلة المباركة الميمونة، وهكذا قال الشنفري في لامية العرب التي جعل الدكتور يستعرض محفوظه منها، وهكذا تحول الدرس الفقهي إلى حكايات وأشعار لاتمت إلى الفقه بسبب، فجعلت أتفرس في وجوه القلة من الحاضرين، ولعل أغلبهم من عامة الناس، وكأن شيخهم يحدثهم عن بلاد الواقواق، أو كوكب العماليق.
لو كان فضيلة الدكتور يحسن ما استهدف له من جليل العمل لبدأ برجال الإسناد أولا وشيوخ مالك في الرواية، ولست أعني أن يتحوّل الدرس من الفقه إلى علم مصطلح الحديث، ولكن كتاب الموطأ كما يعلم الدارسون هو كتاب حديث وفقه وأصول، ويجب على من يتصدى له شرحا وتقريرا أن يحيط بهذه الفنون جميعا.
قد يجادل الدكتور زيد الخير بأنه كتب ألفية في الفقه، وأنه يترأس قسم الشريعة في جامعة الأغواط، وأنه تعمم وتصدر في الجوامع بيد أني أربأ بعقله وفضله أن تغره هذه الأعمال جميعا عن حقيقة نفسه فتبيح له التقحم في ميدان هو خاوي الوفاض من أدواته، وإنني أدعو الدكتور زيد الخير إلى الاستماع لدروس الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله في شرحه للموطأ، ليعلم الفرق بين الفقيه والشاعر، والعالم والقصاص .
إنني أحب الاستماع إلى الدكتور زيد الخير، وهو يلقي قصائده الجميلة بصوته العذب، وأستفيد كثيرا من محاضراته في البلاغة والأدب، وأتمنى عليه أن يدع ما وراء ذلك لأهله فكل ميسر لما خُلق له، وبالله التوفيق.

مقالات ذات صلة