رفقا بنوفمبر!
قام شاب ألماني مؤخرا بحرق مائة سيارة لوحده بمدينة برلين، وحين تم القبض عليه، فسّر فعلته بحالة الإحباط التي يتخبط فيها، والتي جعلته يشعر بالحقد نحو مسؤولي حكومته، فإذا كان هذا يحدث في ألمانيا، أكبر الاقتصاديات في أوروبا، ومن طرف أحد أبناء مدينة برلين، فماذا عن شبابنا المقموعين والذين لم يكتفوا بحرق السيارات فقط، بل قاموا حتى بحرق أنفسهم ولم يُحرّك ذلك شعرة في رأس الحكومة؟!
- رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، السيد باباس، والذي زار شرق البلاد وغربها، شمالها وجنوبها، كرر عبارات منمقة يعرفها الصغير قبل الكبير، الأمّي قبل المتعلم، حول ضرورة الصبر على تنفيذ برامج التنمية، والمشاركة في الحوار مع السلطة، وضبط النفس وعدم الانسياق وراء دعوات المعارضة، أو القيام بالتحريض والتخريب، بل المساهمة في تطوير البلاد ومسايرة العباد… وغيرها من العبارات المفخّخة التي تتحفنا بها تلفزة السلطة كل مساء عند الثامنة، لكن في المقابل، هل يعلم السيد باباس أن خرجاته الميدانية لا تتلاءم مع عصر “الشعب يريد”، والذي رفع سقف المطالب في أكثر من بلد عربي، إلى فوق التصورات جميعا، وأن خطوته الباحثة عن ربح مزيد من الوقت، ظلت مكشوفة للجميع حتى قبل أن يسافر من ولاية لأخرى، مرددا الشعارات التي لا تطعم خبزا، ولا توفر عملا ولا تبنِ مسكنا؟!!
- السلطة في مثل هذه الأيام، تتحفنا بالحديث عن نوفمبر، وذكرى الثورة، وهي لا تعمل بالجدية والسرعة الكافيتين من أجل معالجة مطالب الثورة الشعبية المتصاعدة هنا وهناك، بل إنها تفضل كسب مزيد من الوقت، عن طريق استعمال جلسات المجتمع المدني تارة، أو الاستنجاد بكرة القدم تارة أخرى، أو بالحديث عن مشاريع ضخمة في المستقبل والتباهي بإصلاحات كبيرة، لم نر منها حتى الآن إلا الفتات غير المُشبع، وكأنها ذر للرماد في العيون وفقط.
- ألا يخجل البعض من الحديث عن نوفمبر وأبناء الاستقلال يتخبطون في الإذلال والميزيرية والحڤرة، وقلة الكرامة؟ ألا تخجل التلفزة الرسمية من بث أفلام الثوار وأشرطة المجاهدين في الوقت الذي تُغمض فيه عينيها عن آلام وأوجاع الملايين من البطالين والمطرودين من العمل، والمغبونين بلا سكن والمنتحرين بلا أمل؟
- لا، بل إن البعض يزيد في تطرفه وغلوه وبهتانه فيتحدث عن قرب الاحتفال بالذكرى الخمسين للاستقلال، وكأنه يريد الاستمرار في منصبه واليا أو وزيرا أو نقيبا أو أمينا عاما، وهو لم يساهم في السنوات الفارطة إلا بقتل الأمل، وسفك دماء الكرامة، وبعثرة ما تبقى من طموح، دون احترام للماضي والحاضر، ومن دون إكبار للثورة أو للاستقلال، حتى بات الفاتح نوفمبر لا يعاني سوى من كثرة النفاق الرسمي، ويدعونا للقول صراحة لهؤلاء الذين يدّعون حبه ويُجوِّعون شعبه: رفقا بنوفمبر؟!!