الرأي

رهان على حصان أعرج

ح.م

من أغرب ما حدث في عالم السياسة في تاريخ البشرية، أن سارت دولٌ خلف رجلٍ خاسر، قاد دولة كبرى ودخل انتخابات رئاسية وسط أجواء موبوءة، فرفضه شعبُه، واختار رجلا أمريكيا آخر بدلا عنه، فوجد الرجل نفسه وحيدا في بلاده، يحمل أشياءه ويجهّز حقيبته لمغادرة البيت الأبيض الأمريكي، وقد يترجّل بخُفّي حُنين نحو مزبلة التاريخ، التي ضمّت كل المطبّعين مع إسرائيل، فلا أحد ترحّم عليهم عندما ماتوا ولا أحد وضعهم ضمن الزعماء الذين حكموا ذات يوم بلاد العرب والمسلمين، مثل شاه إيران محمد رضا بهلوي وأنور السادات، وغيرهما.

من عادة الحكومات البائسة في العالم، أن تتسابق من أجل تقديم الوفاء والمبايعة والقرابين لمن يفوز بالرئاسة، وكنا سنقبل أي محاولة غزل تجاه الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، على اعتبار قيادته للدولة الأكبر في العالم خلال السنوات الأربع القادمة، بحثا عن دعم معنوي أو مادي أو لتفادي غضب بلاد تسير بالمزاج في كل مكان ومع الجميع، إلا ما تعلق بإسرائيل.

لو عرّجنا نحو قنوات تلفزيونية أمريكية، لما صادفنا كلمة “ترامب” إلا نادرا، بينما تقوم فضائياتٌ عربية من التي جرّ دونالد ترامب حكامها إلى الحضن الصهيوني بذكر الرئيس السابق وكأنه “حالي ومستقبلي” في ظاهرة غريبة عجز كبارُ المحللين عن تفسيرها.

يقول المثل الجزائري والعالمي: “الدنيا مع الواقف”، في إشارة إلى أن غالبية الناس تتبع القائد أو الغني أو القوي في زمن تمكّنه، لكن في قضية الحال، حدث ما لم يكن في الحسبان عندما صارت تغريدات عصفور يبحث لنفسه عن مخبإ ليموت، حياة، بالنسبة لبعض الزعماء والملوك، الذين لم يفهموا بأن عصفورا في اليد خيرٌ من سرب على الشجرة، فراحوا يتقربون من عصفور لا هو في اليد ولا هو على الشجرة.

عدّ أمريكيون ما لا يقل عن ثلاث مئة كذبة، أطلقها الرئيس الأمريكي خلال عهدته الرئاسية المنتهية، بين وعود لم تتحقق وأوهام لا حقيقة فيها، بينما كان صادقا مع الصهاينة على طول الخط، عندما وعدهم بالتطبيع مع أربع دول عربية على الأقل، وكما قدّم المخزن للصهاينة على طبق، ضمن كلامه الصادق، فإن اعترافه غير الشرعي بأحقية المغرب في ضمّ الصحراء الغربية قد يكون ضمن كلامه الكاذب.. وما أكثره.

سينسى الناس ترامب كما نسوا جيمي كارتر الذي ورّط الرئيس المصري الأسبق في معاهدة كامب ديفيد، ولكنهم لن ينسوا أبدا أنور السادات الذي أسّس للخيانة، ولن ينسوا أبدا محمد السادس، الذي خان اسمَه الأول “محمد” ووفّى لاسمه “السادس” بتوأمته مع النجمة السداسية.

يقول المثل الفرنسي: “الاتكال على حمارك أفضل من الاتكال على حصان جارك”، ويقول المثل الأمريكي: “لا تدخل الرهان إلا وقد ضمنت الحصان الرابح”. وواضحٌ أن الذين طبقوا أوامر ترامب، لا هم ضمنوا حمارهم ولا هم ضمنوا حصان الجار الأعرج.

مقالات ذات صلة