-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

روسيا والأزمة الأوكرانية

روسيا والأزمة الأوكرانية

يتطلب تحليل خلفية وآثار وأبعاد الأزمة الأوكرانية قراءة عميقة ومتعددة على مستوى العلاقات الثنائية (روسيا وأوكرانيا) والإقليمية (المحيط الجيو-سياسي لروسيا) والتحديات الغربية للأمن القومي الروسي وانعكاسات الأزمة الأوكرانية على المستوى الدولي.

تنطلق أهداف وأبعاد التحديات الغربية من الذهنية والتركيبة الرأسمالي المتطرفة والتي تستهدف في العمق الموارد الروسية على غرار ما قام به نابليون (الغزو الفرنسي لروسيا :1812) وهتلر أثناء الحرب العالمية الثانية مغيرا التحالف الألماني السوفييتي (1939- 1941) إلى غزو ألمانيا لروسيا أو الاتحاد السوفييتي آنذاك (1941-1945)  .تكاد روسيا الدولة الوحيدة في العالم التي يمكن لها الاعتماد ذاتيا في النمو الاقتصادي والتطور الصناعي والأمن الغذائي بحكم توفرها  على الموارد الطبيعية  والبنية التحتية والقدرات العلمية والتكنولوجية لذلك .

منذ تفكك الإتحاد السوفيتي (1991)الذي كان متكونا من  15 جمهورية (أوكرانيا، وجورجيا، وأذربيجان، وأوزباكستان، وتركمانستان، وفيرغيزستان، وطاجيكستان، ولاتفيا، وليتوانيا، وإستونيا، وملدوفا، وروسيا البيضاء، وأرمينيا) والمعسكر الاشتراكي ككل(دول أوربا الشرقية  المحاذية إلى روسيا )  وروسيا (وريث الاتحاد بحكم أنها المؤسس والأكبر والأقوى 75% من المساحة والإمكانيات بروسيا … )  محطة ووجهة اختراقات  لأمنها القومي على الحدود الروسية  الغربية والشرقية  ، من بينها :

  1. إفشال روسيا لمحاولة انفصال الشيشان (1996-1999) وانتهى الوضع  بتأكيد وحدة الشيشان مع الاتحاد الروسي .
  2. تحرك الغرب لحصار روسيا عسكريا بجورجيا (2008) ومواجهة روسيا لذلك بما فيها دعم أوسيتيا الجنوبية(المحاذية لأوسيتيا الشمالية بروسيا ) و أبخازيا المطلة على البحر الأسود للاستقلال عن جورجيا والاعتراف بهما دولتان مستقلتان.
  3. توجه الغرب لحصار روسيا بأوكرانيا بما فيها محاولة إدخال هذه الأخيرة في حلف الناتو مما دفع بروسيا لاسترجاع شبه جزيرة القرم (2014). هذه الأخيرة التي  وضعت (1954)تحت إدارة جمهورية أوكرانيا عندما كانت إحدى جمهوريات  الإتحاد السوفيتي لتتحول إلى محطة تهديد للأمن القومي الروسي. عملية استرجاع شبه جزيرة القرم تمت بعد استفتاء سكان المنطقة الذين صوتوا للانضمام إلى روسيا بحكم الروابط الثقافية والدينية والاجتماعية مع الشعب الروسي. إضافة إلى ذلك شكلت الشيشان نموذجاُ للانضمام إلى روسيا الاتحادية كقوة كبرى بدلا من البقاء في وضع هش و متأزم ومحطة للاختراقات و الإستراتيجيات الغربية في المنطقة.

4.نفس الوضع ينطبق على التحرك العسكري الروسي منذ فيفري 2022عبرأقاليم دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوروجيا بشرق ووسط شرق أوكرانيا كمناطق تدخل ضمن مجال الأمن القومي الروسي في مواجهة التهديدات الغربية عبر أو في اتجاه البحر الأسود أو على الحدود الروسية الأوكرانية . روسيا دولة كبرى من حيث الحجم والإمكانيات والموارد ومن حيث القوة العسكرية ومستهدفة منذ عقود من طرف الغرب لضربها من الداخل.يتطلب ذلك تثبيت الأمن القومي الروسي والسيادة الروسية باحتواء التهديدات  والاختراقات لمحيطها الإقليمي.

عدم التزام السلطات المركزية الأوكرانية بتطبيق   بنود اتفاقيات المينسك(2014-2015) من بينها الحكم الذاتي لأقاليم الدومباس دفع بسكان هذه المناطق لطلب الدعم الروسي في  مواجهة الجيش الأوكراني مجددين مطالبهم بالانضمام إلى روسيا الاتحادية  ليصبحوا  بعد استفتاء(سبتمبر 2022) سكان هذه المناطق  ضمن الاتحاد الروسي. تضمنت اتفاقية المينسك كذلك  بنود  تنص على عدم القيام بأي إجراء أو فعل  يمس  بالأمن القومي أو المجال الحيوي  لروسيا.وفي الأخير تبين أن ذلك كان تكتيكا للغرب لربح الوقت بهدف تمكين تحضير أوكرانيا عسكريا ضد روسيا.ذلك ما أكدته المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل  والرئيس الفرنسي السابق فرانسو هولا ند  مشرفين وموقعين أساسيين على  اتفاقية المينسك بالتزامات غربية ودولية ككل   وذلك في تصريحاتهما الإعلامية نهاية السنة الماضية(ديسمبر 2022) .

اعتمدت أوكرانيا والغرب سياسة إعلامية لتخويف الشعب الأوكراني من روسيا رغم أنه  لسكان هذه المناطق وأوكرانيا ككل علاقات وروابط متجذرة اجتماعيا وثقافيا ودينيا وأسريا وتاريخ موحد  بين الشعبين   الروسي والأوكراني. واقع وحقائق تجاوزتها السلطات الأوكرانية رغم الالتزام بها في بنود اتفاقيات المينسك.عدم تجسيد ذلك ومحاولة الغرب إدخال أوكرانيا في  حلف الناتو دفع بروسيا لترتيب أمنها القومي وفق وضمن تلك الاختراقات.

 الاختيار بالنسبة لأوكرانيا  هو الدخول في مواجهة مع روسيا بدلا من التعامل إيجابيا معها على الأقل من الواقع الجغرافي  المتمثل في الحدود الروسية الأوكرانية الشاسعة (1576كلم).البديل بالنسبة لهرم السلطة الأوكرانية  هو التصعيد الذي حول أوكرانيا من دولة مستقرة إلى دولة مشتتة سجينة المساعدات بدلاً من فك الأزمة مع روسيا مهما كان مستوى معضلتها. فالسياسة هي فن الممكن و حول الاختيارات والأولويات الأمثل لمصالح الدولة وخاصة المتغير الأمني ولا تقوم على اختيارات غير ذلك.

الولايات المتحدة الأمريكية دولة كبرى لها إستراتيجية واضحة المعالم وخاصة الاستمرار التقليدي للتحالف الغربي والمتشكل من أوروبا وشمال أمريكا بداية بالحلف الأطلسي.بالنسبة للـ و.م. ا. اتحاد أوربي فعلي ليست أولوية بل عائق لتلك الاسترتيجية. شكلت الأزمة الأوكرانية فرصة ومحطة لتعزيز هذه الإستراتيجية وقبلها بثلاثة سنوات (2020) كانت فرصة خروج بريطانيا   من الاتحاد الأوربي ،بريطانيا التي لم تكن اندماجها  كامل في الاتحاد بسبب عدم قبولها الدخول في منطقة اليورو واتفاقية شنغن.سياسة يفترض أنها تتباين مع توجه الاتحاد الأوروبي وخاصة الاستقلالية الاقتصادية وتكوين جيش أوروبي موحد. سياسة أوربية تم تقييدها من خلال تحالف متميز بين و.م.أ. و بريطانيا لتكون هذه الأخيرة وفق الاتجاه الأمريكي بما فيها عدم  انضمامها إلى اتفاقية  “شنغن” أو منطقة “الأورو”، وفي الأخير خروجها من الاتحاد الأوروبي(2020). وضمن ذلك كذلك أدارت و.م.أ.الأزمة الأوكرانية لدفع السويد وفنلندا طلب الدخول في الحلف الأطلسي.وفي حالة استمرار هذه الإستراتيجية فان مشروع مارشال لما بعد الحرب العالمية الثانية هو الذي يسود في أوربا لعقود لاحقة. مشروع اقتصادي لإعادة تعمير أوروبا بعد الحرب تحول إلى   تكامل أوربي أمريكي سياسيا واقتصاديا وعسكريا لدرجة وصفه البعض بتبعية أروبية إلى أمريكا.

يدخل ضمن ذلك حتى العقوبات الأوروبية على  روسيا منذ بداية الأزمة الأوكرانية (فيفري 2022)التي  انعكست سلبا على أوربا وخاصة الطاقة وبالأخص الغاز الروسي.يفسر البعض تدمير(نهاية سبتمبر 2022) خط الغاز الروسي – الألماني (  استر يم 2STREAM  )  للتأكد من عدم تراجع ألمانيا من فرض العقوبات على روسيا بحكم حاجتها الماسة إلى الغاز الروسي بنسبة تتجاوز أكثر من 45%. ألمانيا الآن تعيش أزمة كبرى دفعتها لتقليص برامجها الصناعية والتكنولوجية بسبب اقتطاع أكثر من 200 مليار دولار من الموازنة العامة لمواجهة أزمة الغاز.

ليس صعباً تقديم قراءة بالمنهج التاريخي أو المقارن أو الواقعي للعلاقات الدولية لاستنتاج أن أوروبا في النهاية ستخسر المعركة والذي سيقود الحوار والتسوية مع روسيا هي و.م.أ.، على غرار ما تم في الشرق الأوسط والأزمة السورية والأزمات الإقليمية الأخرى ويجد الأوروبيون أنفسهم مرة أخرى في الأزمة الأوكرانية على هامش ثقل الواقع  الدولي. من بين تلك المخرجات  ما عبرعنه (ماي 2022)هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي السابق، من خلال إقراره بالواقع الروسي على الأرض منذ بداية الأزمة الأوكرانية بما فيها دعوة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب ككل لقبول انضمام الأقاليم الأوكرانية سابقاً إلى روسيا .

من الصعب استمرار الثقل الغربي في العالم بقيادة و.م.أ. بالمتغير الاقتصادي والصناعي في حضور قوى كبرى بديلة لها مثل الصين التي تنافس اقتصادياتها حتى داخل الدول الغربية نفسها. البديل هو المتغير العسكري من خلال بيع إنتاج  وبيع الأسلحة وسوقها الأكبر هو الأزمات والحروب.

هرم السلطة في الدول الغربية (أوربا،كندا،أستراليا وحليفهم اليابان في آسيا) لا توجد لهم سياسات مستقلة خارج التحالف الغربي، رغم المحاولات الألمانية أو الفرنسية بالاتجاه نحو الصين ، ولكن كلها لم تصل بعد لتفعيل هدف وأساس الاتحاد الأوروبي القائم على الاستقلالية الاقتصادية والعسكرية. وربما لن يصلوا إلى ذلك في الوقت القريب إلا بعد الأزمة الأوكرانية والتي يبدو أنها ستشكل منطلق لنظام دولي متعدد الأقطاب الذي يفتح الاستقلالية حتى للاتحاد الأوربي،بل من منطلق الإنتاج  الاقتصادي والصناعي ومنطق السوق والتعامل التجاري قد يخدم ذلك حتى و.م.أ.نفسها.العالم الآن هو ورشة اقتصادية وصناعية وتكنولوجية تديرها شركات عالمية متعددة الجنسيات همها البحث عن السوق و الربح بغض النظر عن الحيز الجغرافي. الصين بسوق لحوالي مليار ونصف نسمة تأتي في مقدمة الدول المستقطبة  للشركات الأمريكية.حاول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إقناع الشركات الأمريكية بالخارج العودة  للاستثمار  بــداخل و.م.أ. بتبني سياسة أكثر  ائتمان وتخفيض الضرائب  ولكنها لم تتجاوب مع ذلك بحكم انخفاض  تكلفة الانتاج خاصة العمالة والسوق المتواجدة أكثر بآسيا ( %60 من سكان العالم ).

على مستوى عالم الجنوب تزامنت الأزمة الأوكرانية مع تضاعف  التوجهات المتزايدة المطالبة بعالم متعدد الأقطاب.الظرف الدولي جاهز، دول عالم الجنوب بما فيها دول محسوبة تقليدياً لعقود من الزمن على الغرب ، بدأت تتبني سياسات أقل ارتباطا بالغرب على غرار السعودية التي تبنت قرار تخفيض إنتاج البترول رغم طلب  الولايات المتحدة الأمريكية بمضاعفة الانتاج لتلبية حاجة السوق الغربية. اتخذت السعودية قراراً مخالفاً لذلك ومتوافق مع دول الأوبك(Organization of the Petroleum Exporting Countries :OPEC) بتخفيض كمية الإنتاج للمحافظة على سعر النفط وبالتالي حماية المصالح الاقتصادية السعودية. التوجه السعودي حاليا هو نحو تحقيق نهضة شاملة ويبدو أن الاختيار هوالتوازن بين الغرب من جهة و الصين ومجموعة البريكس ككل من جهة أخرى (البرازيل ، روسيا، الهند ،الصين وجنوب افريقيا  Brazil,  Russia, India, China and South Africa: BRICS ).  بعد الأزمة الأوكرانية سيتضاعف التنسيق  الروسي السعودية خاصة في مجال الطاقة من خلال الأوبيك  حيث انخفاض الطلب على البترول والغاز يترتب عنه  انخفاض الأسعار وبالتالي يجد الدولتان السعودية وروسيا مضطران للتنسيق للمحافظة على سقف الأسعار .إضافة إلى ذلك السعودية من بين المرشحين الأوائل للانضمام إلى البريكس  رفقة الجزائر،مصر،إيران والأرجنتين وبالتالي دخول  السعودية في محيط سياسي واقتصادي واستراتيجي خارج المحيط الغربي مشروع وتوجه دولي لإصلاح المنظومة الدولية، خاصة الاقتصادية والمالية منها، بهدف تجسيد فعلي للتوازن والمنفعة المتبادلة.

أكدت الأزمة الأوكرانية مرة أخرى لدول عالم الجنوب هشاشة العلاقات الاقتصادية مع الغرب والقائمة على تصديرا لموارد الطبيعية والمتحكم فيها محليا، أساسا، من طرف الشركات الغربية  واستيراد المنتجات الجاهزة للاستهلاك  لدرجة تقييد سيادة دولها والمس بأمن شعوبها خاصة عندما يتعلق الأمر بالأمن الغذائي أو الحروب المحلية والأزمات الإقليمية .هذه الأخيرة التي دفع فيها الثمن  أطراف الأزمة، سواء إنسانياً أو بنيوياً أو مالياً بما فيها تخصيص نسبة تتجاوز 30% من شراء الأسلحة والمعدات العسكرية بدلاً من توجيهها إلى التنمية الاقتصادية والتطور الصناعي. بالعالم العربي والشرق الأوسط  ،منذ الحرب العراقية – الإيرانية(1979-1988) مروراً بالحرب العراقية الكويتية وتحرير الكويت (1991)واحتلال أمريكا للعراق سنة 2003 إلى ما يسمى بالربيع العربي منذ 2011(ضرب الحلف الأطلسي إلى ليبيا والإطاحة بنظامي  القذافي بليبيا زين العابدين بتونس بدعم من الغرب باعتراف السيدة كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك،  الحملة الغربية ضد سوريا،ألأزمة اليمنية… ). يقدر البعض أن الرقم المالي المستنزف بالعالمين العربي والإسلامي يتجاوز 9000 مليار دولار ذهبت لشراء الأسلحة والمعدات العسكرية لإدارة حروب وأزمات كان بإمكان احتواءها سياسياً قبل حدوثها.وحتى الأسلحة التي تم شراءها متحكم فيها من طرف منتجيها ، وبواقع التكنولوجية المتجددة بسرعة الكثير من الأسلحة أصبحت تقليدية في حضورا لتكنولوجية الرقمية والذكاء الصناعي كالطائرات المسيرة و الحروب الفضائية والصواريخ التي تتجاوز سرعة الضوء حيث يعجز رصدها بالصواريخ البلاسيتية   والهجمات السيبرانية… .  تكاد الجزائر الدولية تكون العربية والإسلامية  الوحيدة التي لم تدخل أو تتدخل  في الحروب و الأزمات في المنطقة مطالبة بالحلول السلمية و السياسية.ذلك راجع لقراءة  وإدراك  للتحديات والاستفزازات لعالمينا العربي و الإسلامي الذي يشكل فيه التضامن الإسلامي أكبر تحدي للكيان الصهيوني مصدر التهديدات والتحديات في المنطقة.

يمكن تفسير الأزمة الأوكرانية كذلك على المستوى الدولي ضمن إستراتيجية الأحادية القطبية  من خلال استنزاف  روسيا بإدخالها في حروب وأزمات إقليمية على حدودها وحصارها اقتصادياً خاصة بالعقوبات واهتزاز  روسيا كقوة عسكرية  أولى في العالم من حيث التفوق في امتلاك الرؤوس النووية ، والتوجه لاحقاً إلى الصين من خلال حصار الصين عبر مضيق تايوان، ومواجهة الصين في استرجاع تايوان إلى الأرض الأم، وإدخال الصين في أزمات عبر بحر الصين الجنوبي.

بذلك تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد حققت أهدافاً استراتيجيه متعددة، وعلى رأسها تقييد مبادرة الحزام والطريق(المنفعة المتبادلة،رابح-رابح) ومجموعة البريكس (إصلاح المؤسسات الدولية اقتصاديا وسياسيا..) والأوراسية الجديدة(التي قدمها المفكر الاستراتيجي الروسي “ألكسندر دوغين” المتضمنة احتواء السياسة الغربية المتطرفة في العالم والتوجه نحو عالم متعدد الأقطاب….)الذين تأثيرهم  يتزايد  إقليميا ودوليا خاصة  إصلاح  المنظومة الدولية ضمن الوصول إلى  توازن دولي وتكافؤ في الفرص.خلافا لذلك يأتي المنظور الأمريكي  القائم على استمرار  السير التقليدي  للعلاقات الدولية و المؤسسات الدولية التقليدية وخاصة الاقتصادية منها مثل المؤسسات المالية والاقتصادية والتجارية الدولية (صندوق النقد الدولي، البنك العالمي،منظمة التجارة العالمية،اتفاقية بريتون وودز Bretton Woods وثقل الدولار الأمريكي على السيولة المالية العالمية…  ) وعسكرياً تعزيز استمرار حلف الناتو والتحالف الأمريكي – الأوروبي.

منظور أمريكي سائداً منذ على الأقل الحرب العالمية الثانية ولكن قد لا يستمر كذلك . آليات ووسائل الاستمرار خاصة من الجانب الاقتصادي لم تبقى تحت سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية. هناك قوى دولية كبرى مثل وروسيا والصين تشكل ثقل مؤثر لدرجة تقييد التوجه الأمريكي.الاقتصاد العالمي لم يبقى تمليه الدولة الأمريكية بما فيها الاقتصاد الأمريكي والذي ثقله هو شركات أمريكية متواجدة خارج الولايات المتحدة الأمريكية وتبحث عن مصالحها بغض النظر عن السياسة الأمريكية. حاول مثلاً الرئيس الأمريكي ” دونالد ترامب” استرجاع الشركات الأمريكية التي تستثمر بالصين وبدول أخرى من خلال تقديم ائتمانات ضريبية ( تخفيض نسبة الضرائب…) لتمكينها من العودة للاستثمار بأمريكا. رغم ذلك بقيت الشركات الأمريكية بالصين بسبب انخفاض التكلفة وسهولة التسويق بما فيها التسويق داخل الصين لمليار و 400 مليون نسمة. ولن يكون في المستقبل القريب بإمكان الولايات المتحدة استرجاع الشركات الأمريكية بسبب الوسائل والإمكانيات التقليدية للإنتاج، والتي تجاوزتها الصين وجعلت الشركات الأمريكية أكثر ميلاً للاستثمار بالصين. إضافة إلى ذلك أن الشركات الأمريكية بالصين موجودة في آسيا التي تشكل نسبة 60 من سكان العالم.

في النهاية الظرف الدولي والتحولات الدولية بأبعادها الاقتصادية سيعزز الوصول إلى عالم متعدد الأقطاب و توازن دولي يؤدي لمجالات جديدة للتعاون الإقليمي والدولي بدلا من الحروب والأزمات والمس باستقرار الشعوب والأمم الناتجة عن التدخلات العسكرية التي ضربت كيانات دول ومست باستقرار أمم وشعوب والتي شكل فيها  العالم العربي ميدانا لذلك.عالم يسود فيه التكافؤ في الفرص يخدم الجميع بما العالم الغربي.هذا الأخير الذي يعاني لعقود من اهتزازات وهي تتصاعد خاصة الأزمات الاقتصادية و الاجتماعية بسبب العولمة المتطرفة التي تقودها مراكز قوى مالية بغض النظر عن الدول والحكومات الغربية.

التصعيد العسكري في الأزمة الأوكرانية والأزمات الأخرى في العالم  لن يؤدي طبعا إلى حلول بما فيها المجابهة الراهنة بين  الغرب وروسيا مثل ما أكده هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي السابق ومهندس السياسة الأمريكية لعقود .روسيا قوة عسكرية كبرى  نووية الأولى عالميا من حيث الرؤوس النووية  وتاريخيا انتصرت في كل الحروب من أجل أمنها القومي وآخرها الحرب العالمية الثانية رغم حجم تضحيات الاتحاد السوفييتي آنذاك(أكثر من 27  مليون خسائر بشرية).المجابهة وحرب الاستنزاف مع روسيا  لن يدفعها للتراجع  خاصة في حضور امتلاكها للسلاح النووي،وضع سيمس بأمن الجميع.الاختيار الواقعي هو حل سياسي للأزمة الأوكرانية يضمن إبعاد  التهديدات  للأمن القومي الروسي وليست تسوية بأبعاد تكتيكية هدفها ربح الوقت كما عبرت عنه المستشارة الألمانية السابقة ميركل أوعبر عنه الرئيس الفرنسي السابق هولاند. حياد أوكرانيا يخدم مصالح واستقرار  الجميع والتصعيد لن يؤدي إلا لضرب  مصالح ودمار الجميع .

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!