الرأي

رُبَّ جائحةٍ نافعة..

عمار يزلي
  • 1775
  • 4
ح.م

ما لم ينتبه إليه الكثير منا وفي العالم كله، بعد هذه الجائحة العالمية، هو ذلك التحول الذي سيترتب عنه المجتمع الكوني لاحقا. فما بعد الجائحة، ليس هو ما قبله، وعلى جميع المستويات. إننا فعلا نشهد تغيُّرا في العلاقات العامة والعلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والاتصالية بما يشبه ثورة قيمية قد تعيد النظر في كونية العالم وانكماشه مرة أخرى في قرى صغيرة وعودة القوميات القديمة وموت الإنسان الجديد والليبرالية المتوحشة.

وما يمكن أن نلمسه بعد نهاية هذا الكابوس، هو بداية تصدُّع للعلاقات الدولية خاصة بين الشرق والغرب وبين دول التكتل الواحد، سواء في أوروبا أو على مستوى المحور الانغلو ساكسوني والشرقي. أكيد سوف نرى ارتفاع أصوات صادحة تتحدَّث عن المؤامرة، هي لا تزال إلى اليوم خافتة ومهموسة، لكن الزمن سيغير من وتيرة التهم والعودة إلى النزاعات.

تغيراتٌ جذرية تحدث الآن دون أن نعطيها أهمية، لأننا نعيش وسط الزوبعة التي تعمي الإبصار، تحوُّلاتٌ ستحدث على مستوى الممارسات الاجتماعية في المجتمعات الغربية بشكل أساسي: تقييد الحريات الفردية المقدسة، شكلٌ لم تعرفه الأجيال المعاصرة، وعليها أن ترفض هذا التقييد إذا ما طال أمدُ التقييد، وغير مستبعد أن تخرج دائرة التقييد عن سيطرة التحييد، خاصة ما إذا تقلصت مع طول المدة القدرة على تحمُّل الأعباء والخسارة الاقتصادية وبطء وتيرة عجلة الآلة الاقتصادية والاجتماعية والصحية وبالتالي عجز الآلة الأمنية عن احتواء الناس في البيوت. سيضطر الناس إلى الخروج إلى الشوارع، وقد نشهد نهبا فوضويا منظما وممنهجا في هذه الدول الأكثر تحضُّرا. هذا السيناريو هو الأسوأ على الإطلاق، لأن التحكم فيه ليس بالهيِّن وتركه ليس بالأهون. لقد شاهدنا مؤخرا كيف تتحول العلاقات بين الدول أحيانا في خضمِّ الأزمة وشحِّ الإمكانات وقوة الهلع إلى علاقات عصابات قطَّاع الطرق: لاحظنا كيف اعترفت في الأخير دولة التشيك، بعد ضغط من الخارجية الايطالية، كونها حوّلت مُعدّات ومساعدات صينية لإيطاليا. مثل هذا التصرُّفات والسلوكيات الدولية تنمُّ على ممارسات قادمة، من طرف العامة وفي معظم الدول التي ستشهد ندرة وتقلصا في الحاجيات الضرورية الغذائية والطبية، إذا ما امتدَّ عمر الجائحة وحدث معها الكساد الاقتصادي والغلق الدولي لأرتاج حدوده مع الجيران وبقيّة الأجواء العالمية المغلقة وكذا الملاحة البحرية. توقعاتٌ متشائمة، لكنها قد تحدث، لأنه لا أحد يمكن أن يعرف كم سيدوم هذا الوضع؟ وكيف ستتعامل الدول معه حتى في حال اكتشاف مصل أو دواء؟ فإنه لن يكون من السهل إيقاف تداعيات هذه “الحرب” غير المرئية، وإن تمكَّنوا من إيقاف انتشار الفيروس. إننا بحقّ في مرحلةٍ مفصلية، سنرى بعدها عالما جديدا يولد من رحم ورماد كورونا.

الغائب الأكبر وقد يكون الضحية الألعن، هي الشعوب والدول التي تفتقر إلى استقلالية مواردها الطبيعية أو تلك التي تعتمد على سوق النفط المأزوم، الذي حتى وإن تعافى مستقبلا، فإنَّ القدرة الشرائية الدولية ستضعف بشكل كبير بسبب الأزمة التي ستُلحق الضرر الأقصى بالاقتصاد العالمي وتكبِّد الشركات العالمية والوطنية في الدول الإقليمية الخسارة الكبرى. شعوبنا ودولنا الوطنية ستكون مجبرة على العودة إلى الاعتماد على الذات والتفكير مليا في استقلالها الاقتصادي بعيدا عن العولمة التي بات الشكّ اليقين يحوم حول جدواها وربما قد تصل بها إلى اللعن المبين. دولٌ قد تخرج من عنق الزجاجة قوية نسبيا إن هي استثمرت في مقولة “الأزمة تلد الهمة” و”رُبَّ جائحة نافعة”.

مقالات ذات صلة