الرأي

سراب الرخاء

جاء في كتاب “زيارة جديدة للتاريخ” للصحفي المصري محمد حسنين هيكل، أنه التقى بالملياردير الصهيوني الأمريكي دافيد روكفيلر ذات يوم، فعبّر هيكل لذلك الصهيوني “عن آماله في رخاء الشعب المصري”.
اهتبل ذلك الصهيوني، الذي يعيش بجسمه في أمريكا، ويعيش بقلبه وعقله وروحه في فلسطين، عكس بعض العرب الذين يعيشون بأجسامهم في “أوطانهم”، ولكنهم يعيشون بأرواحهم وقلوبهم وعقولهم في الدول الغربية، أقول: اهتبل ذلك الصهيوني الفرصة وقال ليهكل، متبعا “سياسة الشيطان” التي أنبأنا عنها القرآن الكريم في قوله تعالى: “يعدهم ويمنيهم، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا”، قال: “اصنع لنا السلام، ونحن نصنع لك الرخاء” (ص 392، ط. بيروت. 1985).
اغتر أنور السادات، الذي أوحى إلى أبواقه، وأذياله، والمتملقين في مصر أن يسموه “الرئيس المؤمن”، اعتبر بما سمع، فوصف نفسه بوصف آخر، تغنى به المغنّون والمغنيات في مصر، ورقص عليه الراقصون والراقصات فيها، وهو “رجل الحرب والسلام”.. راح يلهث وراء “السلام” حتى ذهب إلى القدس المحتلة، مريقا ماء وجهه، مذلا أرض مصر الطاهرة، وشعبها الأبي، من أجل “نصر” مجروح، و”سلام” لا يمكن أن يتحقق مع عدو يرى حياته مرهونة ومتعلقة بموت شعب آخر.. بل إنه يخشى السلام لأن هذا السلام إن تحقق فسينفجر هذا “الكيان المختلق”، الذي جيء بأناسيه من أركان الأرض المختلفة، فتحسبهم جميعا وقلوبهم شتى: ولا يمكن لهذا الكيان أن يدوم إلا إذا عاش في أجواء الحرب..
لقد صرح “الرئيس المؤمن” بأن حرب أكتوبر 1973 هي آخر حرب مع إسرائيل، وقد استن بسنته جميع القادة العرب، بمن فيهم أولى الناس بقضية فلسطين، الذين دفنوا قضيتهم في أوسلو، أعني مسئولي ما يسمى “منظمة التحرير الفلسطينية”.
لقد مرت على حرب أكتوبر 1973 خمس وأربعون سنة، وإسرائيل تعيش “آمنة مطمئنة” إلا من بعض طلقات لا تزعج فضلا عن أن تخيف..
لم يأت “الرخاء” الذي وعد به روكفلر، ولن يأتي.. لأن “الوعد” الروكفلري معناه – كما صرح به روكفلر نفسه- هو “رأسمال عربي + يد عاملة مصرية + تكنولوجيا أمريكية”. (زيارة جديدة للتاريخ. ص 394).
كل ما فعله “العرب” في هذه السنوات الخمس والأربعين هو أنهم أحيوا “سنة” أعرابية، هي التي عبّر عنها شاعرهم بقوله:
وأحيانا على بكر أخينا إذا ما لم نجد إلا أخانا
وقد تحول حكم الله – عز وجل على اليهود بالذلة والمسكنة، فصرنا نحن العرب الأذلة المساكين، وسنبقى كهذا إلى أن نغير ما بأنفسنا، فيغير الله -عز وجل- ما بنا ونخرج بالعلم والعمل والاتحاد من المعيشة الضنك إلى المعيشة الرغد.

مقالات ذات صلة