الرأي

سقوطٌ مدوّي لإصلاحات بن غبريط

حسين لقرع
  • 2339
  • 5
ح.م

أخيراً، سقطت “إصلاحات” بن غبريط، وأقرّ وزير التربية الجديد محمد واجعوط بضرورة مراجعتها وتصحيحها، لأن كُتبها جاءت مليئة بالأخطاء في جميع المواد، ومحتواها يتضمّن هدما لمرحلتيْ الابتدائي والمتوسط باستثناء السنة الخامسة ابتدائي والرابعة متوسط، ليتحمّل بذلك المسؤولون عن “الجيل الثاني من الإصلاحات” مسؤولية تاريخية أمام أجيال المستقبل.

هذه النتيجة التي وصل إليها الوزيرُ أخيرا، ومعه السلطة بالتأكيد، كنا قد نبّهنا إليها قبل سنوات، وقلنا إن فشلها الذريع سيكون حتما مقضيا؛ إذ كان واضحا منذ البداية أنَّ “الإصلاحات” التي بدأت الوزيرة السابقة نورية بن غبريط رمعون تروّج لها فور تعيينها وزيرة للقطاع خلال العهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة، كانت إيديولوجية تغريبية بحتة ولا علاقة لها بالجوانب المعرفية والتربوية؛ فقد فضلت الوزيرة الاستعانة بخبراء تربويين فرنسيين لـ”إصلاح” التعليم في الجزائر، مع أن بلادنا تزخر بآلاف الخبراء والمفتشين وأساتذة المدارس العليا وحتى المعلمين والأساتذة المتقاعدين، كما اقترحت الوزيرة في أواخر جويلية 2015 التدريس باللهجات العامية في السنوات الثلاث الأولى للتعليم الابتدائي، بذريعة أن العربية الفصحى “لغة دخيلة، صعبة الفهم، مستعصية على عقول التلاميذ؟!”، ثم بدأت تكيد للتربية الإسلامية وتسعى للتخفيف من مُعامِلها وحجمها الساعي وإلغائها من امتحانات البكالوريا لدفع التلاميذ إلى إهمالها تماماً، وسعت حتى إلى وضع يدها على المدارس القرآنية وإفراغها من محتواها بتعويم التعليم فيها، كما أصرّت على منح الحظوة للغة الفرنسية في شتى مراحل التعليم وإبعاد الإنجليزية عن دائرة منافستها… وبعد كلّ هذه الجعجعة، جاءت كتبُها الخاصة بـ”الجيل الثاني للإصلاحات” المزعومة، مليئة بالأخطاء التي ينبغي إصلاحُها حسب الوزير واجعوط.

باختصار، كانت بن غبريط رمعون تريد تنفيذ إصلاحات إيديولوجية تُرضي بها نزعتها والنزعة التغريبية للرئيس الذي عيّنها والمجموعة التي حمتها في إطار ما أسماه بعض وزراء تلك الفترة “التضامن الحكومي”، والحمد لله أنّ الجزائريين تحرّكوا في 22 فبراير وأسقطوا الرئيس بوتفليقة ومعه بن غبريط، ليُفتح المجال الآن لإعادة بناء ما هدّمته تلك المرحلة. اليوم انتهى الكابوس مع العهد الجديد فيما يبدو، وتفطّنت السلطة إلى أنّ الإصلاح الحقيقي للتعليم هو الذي ينصبُّ على الجوانب العلمية والمعرفية والتربوية وينبع في الوقت نفسه من عناصر هوية الشعب الضاربة في التاريخ، وأنّ أيّ “إصلاح” يلتفّ على هذه العناصر ويهمّشها ويعاديها هو تخريبٌ للمدرسة وعقول الأجيال ستدفع البلاد ثمنه غاليا في المستقبل.

أخيرا نودّ أن نقول للسلطة وهي تعلن على لسان الوزير الجديد واجعوط نهاية “إصلاحات” بن غبريط وفتح ملفّ إصلاح التعليم مجددا: المنظومة التربوية ليست بخير وهي بحاجة إلى إصلاحات منتظمة لتواكب التطوّرات العلمية والمعرفية الحاصلة في العالم، لكن خيرَ من يقوم بهذه المهمّة الخطيرة هو المجلس الأعلى للتربية. لقد كان هذا المجلس في عهد زروال قاب قوسين أو أدنى من تحقيق المهمّة بعد أن نظّم ندواتٍ ولائية وجهوية كثيرة، ثم ندوة وطنية كبرى في صيف 1998، واستعان بالكثير من المعلمين والأساتذة والمفتشين في القاعدة ولم يُقص أحدا، ولكن قبل إكمال مهمته، وصل بوتفليقة إلى الرئاسة وحلّ المجلس وأسند مهمة “الإصلاحات” للجنة بن زاغو التغريبية التي لا تزال المدرسة تعاني من نتائج عملها إلى حدّ الساعة.. ونأمل أن تضع السلطة حدا لهذه الدوامة ببعث المجلس الأعلى للتربية، فهو خيرُ من يستطيع القيام بعملية الإصلاح التربوي العميق والجدي على أسسٍ علمية وتربوية صحيحة بعيدا عن تجاذبات السياسيين وتقلّباتهم وأهوائهم.

مقالات ذات صلة