-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سَلِّ نفسك واحذر انفلاتها!

سلطان بركاني
  • 824
  • 0
سَلِّ نفسك واحذر انفلاتها!

روى الإمام “مسلمُ” في صحيحه عن حنظلة بن الربيع الأسيدي، أحد كتاب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، أنّه انطلق يوما مع أبي بكر الصدّيق، فدخلا على النبيّ –عليه الصّلاة والسّلام- فقال حنظلة: نافق حنظلة يا رسول الله! قال رسول الله: وما ذاك؟ قال: يا رسول الله، نكون عندك تُذكّرنا بالنّار والجنّة كأنّا رأي العين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضّيعات نسينا كثيرا. فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: “والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، لكن يا حنظلة ساعة وساعة، ثلاث مرات”.

النّفس من طبعها أنّها تميل إلى الفتور بعد كلّ عمل جديّ يطول وقته، ومن حقّها أن تُلتمس لها بعض الفسحة لتستجمّ، لكنّ العبد متى لم ينتبه لها ليردّها سريعا، فربّما تركن إلى أجواء الرّاحة والدّعة وتأبى عليه أن ترجع إلى أجواء الجدّ، تماما كما يرفض الطّفل -الذي لا تُضبط له أوقات اللّعب- أن يترك اللّهو ليعود إلى دراسته، أو كما يستثقل الموظّف العودة إلى العمل بعد أيام العطلة.. لذلك ينبغي للعبد المؤمن أن يضبط لنفسه ساعات الفسحة وحدودها بعد رحيل رمضان، حتّى لا تألف التخفّف من الطّاعات والتوسّع في المباحات؛ فليس يجوز أو يليق بالمؤمن أن ينتقل من الصيام والقيام إلى إضاعة الفرائض وهجر القرآن، ومن غضّ البصر حرصا على صحّة الصيام إلى إطلاق العنان للبصر بالنّظر إلى الحرام!.. من الطّبيعيّ أن يقلّل العبد من نوافل الطّاعات بعد رمضان، لكنّه ليس طبيعيا أن يعيد مصحفه إلى الخزانة مرّة أخرى، ويعود إلى النّوم عن صلاة الفجر في أوّل يوم بعد رمضان.. العبد المؤمن الذي يحسب حسابه لموعد الرّحيل غير المعلوم، يخطّ لنفسه خطوطا حمراء لا يسمح لها بتجاوزه، ويحدّ لها حدّا أدنى من الطّاعات لا يسمح لها بالنّزول دونه، يأتي في مقدّمه الحفاظ على الفرائض والواجبات، والبعد عن المحرّمات.. قد يسمح العبد لنفسه بالتّساهل لبعض الوقت في نوافل الصّلاة والصّيام والصّدقة، لكنّه لا يسمح لها -مهما تكن الظّروف والأحوال- بالتّساهل في الصّلاة لوقتها، وفي ورده اليوميّ من القرآن، ومهما زلّت بصغائر الذّنوب فإنّه لا يقرّها عليها ولا يسمح لها بالتّمادي معها، بل يسارع إلى ردّها وانتشالها، كما يُردّ الطّفل الصّغير عمّا يضرّه، ويُنتشل ممّا يؤذيه.

ليس من الواجب أن يرجو العبد من نفسه الدّوام على حال واحدة من الاجتهاد في العبادات والمثابرة في الطّاعات، لكنّه ينبغي ألا يسايرها في انحدارها إلى ما تهواه من الانفلات والرّاحة المستمرّة وغير المحدودة؛ فإذا كان هذا الوضع يضيّع على العبد دنياه وأشغاله التي لا بدّ منها ويدخله في دوامة الحسرة، فهو كذلك يضيّع عليه دينه وآخرته، بل ويضيّع عليه سعادة قلبه وأنس روحه، فتَوالي ساعات الرّاحة والفتور يريح النّفس بعض الوقت، لكنّها راحة يعقبها الضّيق والنّدم، بخلاف الحزم الذي يكابد العبد مرارته لبعض الوقت ليجني ثمرته راحة وطمأنينة بعد ذلك، حينما يشعر بأنّه انتصر على نفسه وأتمّ ما ينبغي له إتمامه من عمل في وقته وحينه.

من حقّك -أخي المؤمن- أن تسلّي نفسك وتجمّ فؤادك وتبحث عن متنفّس مباح لك ولأهلك وأبنائك في هذه الأيام التي تعقب رمضان، لكن كن حريصا على مراقبة نفسك كما تراقب أطفالك، وكن أحرص على حفظها منك على صغارك، فهي متى ما طال عليها الفتور تجاوزت الخطوط الحمراء واستعصى عليك ردّها بعد ذلك، وربّما سوّلت لك الرّكون إلى هواها والرّضا بانفلاتها إلى رمضان العام القادم! تذكّر قول مولاك سبحانه: ((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا))، واستحضر بعده قول البوصيري رحمه الله:

والنّفس كالطّفل إن تهمله شب على * حبّ الرّضاع وإن تفـطمه ينفطــم

وجاهد النّفس والشّيطان واعصهـــما * وإن هما محـّــضاك النــّـصح فاتــهــم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!