-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

شعبُ الله المُحتار

شعبُ الله المُحتار

إذا استندنا إلى التقارير الإعلامية الإسرائيلية، دون غيرها من التقارير، ومصدرها الجيش الإسرائيلي وليس غيره، التي تحدّثت عن الحالة النفسية للإسرائيليين عموما وللجنود والضباط، وكان آخرها مطلع السنة الجديدة، بالاعتراف بمقتل 29 جنديا وضابطا إسرائيليا، من طرف زملائهم، فإن ما أحدثته ملحمة السابع من أكتوبر وما تلاها من إنجازات للمقاومة الفلسطينية، وصولا إلى قصف تل أبيب في الساعة الصفر من السنة الجديدة، لم يقلّب المعادلة العسكرية فقط، بعد أن دفن وإلى الأبد مقولة “الجيش الذي لا يُقهر”، وإنما حوّل الشعب الذي كان يزعم بأنه المُختار من الله، إلى شعب مُحتار لا يرى حاضره، ويشكّ في ماضيه، ولا يثق في مستقبله.
الحديث عن خمسمائة جندي يعانون من أزمات نفسية حادة، لا تفارقهم الكوابيس وتظهر من خلال تصرُّفاتهم في الصحو وفي النوم، من خلال التبوّل اللاإرادي والتهيُّؤات التي وصلت إلى درجة إطلاق النار على المحيطين من حولهم، بعد أن عادوا أدراجهم إلى تل أبيب يجرُّون الخوف والهلع والحيرة، حتى أن قادتهم صاروا على قناعة بأنهم يحاربون أشباحا، وليس رجال مقاومة صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
لن يجد المسلمون عموما والفلسطينيون خصوصا، وهم وحدهم يقاتلون الصهاينة، فرصة أحسن من هذه الوضعية، حيث العدو في موقف حرج، بعد أن هيّأ لهم الله كل الظروف و”قذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين”، وبعد أن اقتنع الصهاينة أنفسهم بأن ما يحدث في غزة، من قتل للأبرياء إنما هو دليلٌ على الخسارة الفادحة التي تكبَّدوها فضربوا العزّل من النساء والمسنين والأطفال وحتى الحجر والشجر.
يجب الاعتراف بأن ذكاء رجال المقاومة وإخلاصهم، فاق تكتيكات الجيوش الكلاسيكية، وإرفاق الإنجازات بالصورة والصوت والتعاليق المحبِطة للعدو من نوع “بضاعتكم رُدّت إليكم” و”وصلتم متأخرين” و”المهمة أنجزت”، هو مزيدٌ من النضج لمقاومة أدركت لوحدها فخططت وقرّرت، وعندما يتحقق النصر، لن يجرؤ أيٌّ كان أن يزعم بدعمها ولو بأضعف الإيمان.
عندما تكون ظالما، وعلى أرضٍ أنت أول من يعلم بأنها لغيرك، ويكون جيشك مكوّنا من مرتزقة من عشاق المال والبذخ، فإنك تفضِّل الرمي من بعيد بطائرات أمريكية أو صواريخ بعيدة المدى، لأنك تدرك بأن المسافة صفر، ستجعلك بين الموت أو الضياع النفسي، الذي يعيشه حاليا أكثر من خمسمائة جندي وضابط إسرائيلي حسب الإسرائيليين أنفسهم.
يروي لنا التاريخ في عهد الفاروق عمر، كيف حاول المقوقس حاكم مصر وزن إمكانات جيش الفاتح عمرو بن العاص، فبعث إليهم رسلا للتجسُّس، فكان لهم ما أرادوا عندما أبقاهم عمرو بن العاص يومين كاملين بين رجاله، اختلطوا فيهما مع جنود المسلمين، ولما عاد جواسيس المقوقس سألهم: ماذا رأيتم؟ فقالوا: “رأينا قومًا، الموتُ أحبُّ إليهم من الحياة، والتواضع أحبّ إليهم من الرفعة، ليس لأحدهم في الدنيا رغبة ولا نهمة، وإنما جلوسهم على التراب، وأكلهم على ركبهم، وأميرهم كواحد منهم، ما يعرف رفيعهم من وضيعهم، ولا السيد من العبد. وإذا حضرت الصلاة لم يتخلَّف عنها منهم أحد، يغسلون أطرافهم بالماء، ويخشعون في صلاتهم”، فقال عند ذلك المقوقس: “والذي يُحلف به، لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لأزالوها، وما يقوى على قتال هؤلاء أحد”.
ونظن بأن قصة نتنياهو.. عفوا المقوقس، لا تحتاج إلى أي تعليق.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • لزهر

    حولت فنلندا أنفاق تعدين الذهب التي تبعد أقل من 200 متر إلى أكبر وأضخم بنك للبذور في العالم، والذي جمعته من الزوايا الخمس، ومن حيث الغذاء، يمكنها السيطرة على العالم.