-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
وقفات رمضانية

صحّ ريجيمكم!

سلطان بركاني
  • 2014
  • 0
صحّ ريجيمكم!

دأب الجزائريون كلّ عام على تبادل التهاني و”التبريكات” بحلول شهر رمضان، وعلى الدّعاء لبعضهم بعضا خلال أيامه ولياليه بأدعية منها “صحّ صيامكم”، “صحّ فطوركم”، “صحّ سحوركم”، وهي الأدعية الذي تتضمّن تمنّي صحّة الصيام وقبوله والانتفاع به، لكنّ بعض الجزائريين أبدعوا مؤخّرا في تداول تهنئة جديدة هي قولهم “صحّ ريجيمكم” لصنف من الصّائمين، ربّما لا يكون لهم من صيامهم إلا الجوع والعطش، فهم أشبه بمن يمارس حمية غذائية تحتّم عليه الإمساك عن الطّعام والشّراب لمدة تزيد على 16 ساعة.

هذا الصّنف من الصّائمين بينهم من يصوم وهو لا يصلّي، وبينهم من يصلّي في رمضان ويترك الصّلاة بعد رمضان، وبينهم من يصوم وهو مصرّ على هجر والديه وإخوته وظلم جيرانه، وبينهم من يطلق العنان لبصره في رمضان –كما في غيره- بتتبّع العورات والنّظر إلى الغاديات الرّائحات، وبينهم من يطلق لسانه في أيام رمضان بالغيبة والثّلب والشّتم والسبّ، وربّما يلفظ في نهار رمضان أقذع الكلمات وأشنع العبارات، ويصل الأمر به إلى حدّ سبّ الذّات الإلهيّة، وبينهم أيضا من لا يتأخّر في خوض المعارك الطاحنة في زحمة الأسواق والطّرق لأتفه الأسباب…

“صحّ ريجيمكم” هي أفضل تحية توجّه إلى أمثال هؤلاء الذين لا يجنون من صيامهم غير الجوع والعطش والتّعب والوهن، كما قال نبيّ الهدى صلّى الله عليه وآله وسلّم: “رُبّ صائم ليس له حظ من صومه إلا الجوع والعطش”؛ فالله -جلّ وعلا- ما فرض صيام شهر رمضان إلا ليكون عونا لنا على تطهير قلوبنا من دغائلها، ولجم ألسنتنا عن كلّ كلام يؤذي الآخرين، وغضّ أبصارنا عن عورات عباد الله المسلمين، وكفّ أيدينا عن أذية المؤمنين، مصداقا لوصية حبيبنا المصطفى عليه الصّلاة والسّلام: “الصيام جُنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم”.. تعذيب البدن بالجوع والعطش ليس هو الهدف من الصيام، والمولى –جلّ شأنه- غنيّ ومستغنٍ عن جوعنا وعطشنا؛ فـ”من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”، وإنّما يريد –سبحانه- منّا أن نعود بأنفسنا إلى فطرة الخير التي فطرت عليها، ونلجمها بلجام التّقوى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون))، وننقيها ممّا علق بها من عوارض وأعراض بسبب غفلتها عن المصير والمآل في الدار الباقية وركونها إلى الدار الفانية.

إنّنا جميعا مدعوون لمراجعة صيامنا، وتلمّس حقيقته والبحث عن آثاره في قلوبنا وأرواحنا وجوارحنا، قبل أن نكون يوم القيامة من الأخسرين أعمالا، ((الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)).. نسأل الله جلّ وعلا أن نكون ممّن يفرحون بصومهم في هذه الحياة الدّنيا، ويفرحون به يوم يلقون ربّهم فيجازيهم به جزاءً ادّخره سبحانه عندهـ ولم يُحدّث عنه أحدا من خلقه ((فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون)).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!