ضحك على الذقون!
منح صلاحيات إضافية للولاة والأمناء العامين بالبلديات، هو تكريس “بالمقلوب” للامركزية في اتخاذ القرار وفهم خاطئ لتسيير الشأن العام للمواطنين، حيث تخلّت وزارة الداخلية منذ فترة عن مطالب تكوين الإداريين والمنتخبين، بعد ما صدّعت رؤوسنا بها “مثلما تفعل الآن مع جوازات السفر وبطاقات التعريف الجديدة”، وفضلت منحهم مزيدا من الصلاحيات التي تعمق هوة الثقة بينهم وبين المواطنين بدلا من توثيقها أو تقريبها، والسبب، هو فهم تلك الصلاحيات، على أنها مزيد من البيروقراطية، والتعنت الإداري، والعنجهية في التعامل مع المواطنين؟!
-
كيف يمكن إدراج تحوّل إداري بهذا الشكل، على أنه امتياز وليس مسؤولية، تشريف لا تكليف، حيث نعجل بصلاحيات مزعومة للسادة الولاة، تشبه في أهميتها، صلاحيات الوزير داخل الحكومة، بدلا من تنفيذ وتطبيق النظرة العكسية ولو كانت مشروعة في محاسبتهم، حسابا عسيرا عند الإضرار بمصالح المواطنين أو التغافل عنها أو حتى تهميشها ورميها في الأرشيف وحبسها داخل الأدراج مثلما يقع في الكثير من البلديات والولايات.
-
على أي أساس تكافئ السلطات العليا، الولاة والأمناء العامين بزيادة منحهم وعلاواتهم؟ هل تكافئهم على اتساع رقعة الاحتجاجات في المناطق الداخلية، أم على زيادة عدد المهمشين والمغبونين والمتمردين والغاضبين على الإدارة التي عادة ما يستعمل المواطنون صفة الإرهاب للتعبير عن سلوكاتها الرعناء واللاشعبية، حتى لا نقول شيئا آخر؟!
-
وإذا كانت الحكومة تريد من وراء مشاريع هذه القوانين الموضوعة على مكتب الوزير الأول، تحسين علاقة السلطات المحلية بالمواطنين، مثلما تدّعي، فلماذا تتأخر حتى الآن وتماطل في إصدار قانون البلدية والولاية؟ ألا يعدّ الأمر ضحكا على الذقون، وتسبيقا للامتيازات والتعويضات والعلاوات قبل المحاسبة والتدقيق في التسيير، هذا إن كان القانون المذكور يحتوي فعلا على المحاسبة والمتابعة؟!
-
ألا يعدّ هذا التحرك الجديد من وزارة الداخلية، محاولة منها لتكريس هيمنة الإدارة على حساب المنتخبين الذين باتوا مطاردين من الجميع، بسبب سلبيتهم وبرودة أدائهم داخل المجالس المحلية، حيث تقترح الداخلية منح صلاحيات للولاة بمتابعة أي منتخب وإقصائه، بسبب إدانته أمام العدالة، في أي قضية كانت، أو عدم شرعية حزبه، حتى ولو انتخبه المواطنون بأغلبية ساحقة؟!
-
هل تعتقد الحكومة أنها بتمرير قوانين مثل هذه، تفكك قنبلة الغضب الشعبي المتزايد في كل الولايات لأخطر الأسباب، أو حتى لأتفهها، أم أننا نشهد من وراء هذه الخطوة تكريسا جديدا للبيروقراطية باسم القانون، وتوزيع لا مبرر لمزايا قانونية على إدارة متهمة بالفساد وسوء التسيير والتواطؤ في تعفين مشاكل المواطنين؟!