الرأي

ضياعٌ من دون بديل!

أرشيف

تأكد رسميا عبر بيان لوزارة التربية والتعليم، بأن العطلة الطويلة المدى، التي أبعدت التلاميذ عن مقاعد الدراسة منذ مارس الماضي، مازالت ممتدة إلى موعد غير محدد، وبأن ضياع ملايين التلاميذ بين جدران البيت وجدران الصمت، قد يبخّر سنة من العمر، للأسف لن تعوَّض، بسبب انتشار جائحة كورونا، التي أفقدت العالم القدرة على التصرُّف السليم، فضاع الكثير من العمر والمال والعلم، من دون القدرة على خلق بديل أو على الأقل النية في إنقاذ القليل من الضائع.

أجمع كل الأساتذة الذين خاضوا عمليات تصحيح أوراق ممتحني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا، على أن ما لمسوه على أرض الواقع كان صادما، بين تلاميذ نسوا حتى أبجديات اللغة العربية والفرنسية، وآخرين ما صاروا يفرِّقون بين الفيزياء والرياضيات، بينما اقتنع بعضهم بأن الحياة يجب أن تكون عطلة مفتوحة بلا نهاية، يمارسون فيها ما يشاءون من دون ضوابط ضمير أو أخلاق، فقدّمت لنا أشهر كورونا أناسا حريصين -إلى حد التزاحم والتصادم والعراك- على الفوز بكيس سميد، وآخرين مستعدين للوقوف في طوابير البريد ساعات طويلة، ومحتجين لأجل منحة المليون، ومصطفين من أجل العودة إلى البلاد أو السفر إلى بلاد المهجر، ولا أحد همّه تجاوز بقاء المدرسة من دون تعليم، عبر خلق بديل عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أجل إنقاذ التلاميذ من هذا الضياع الذي دخل شهره الثامن، ولا أحد إلى حدّ الآن يسعى جادا للخروج منه بأقل الأضرار.

الضياع لا يشمل التلاميذ والطلبة فقط، وإنما يعمّ الأساتذة والمعلمين الذين غرقوا في الخمول في غياب دورات التكوين عن بُعد أو على الأقل التذكير الذي ينفع المؤمنين برسالة التدريس المقدَّسة. سنكون منصفين وغير ظالمين عندما نلوم الأساتذة، بعددهم الكبير وعدّتهم، على رفعهم الراية البيضاء منذ هبوب عاصفة جائحة كورونا، وبقائهم بعيدين عن العلم وطالبي العلم، غير قادرين عن إعطاء دروس عابرة للفضاءات الملونة التي يسبح فيها التلاميذ، فيتوقَّفون في كل المرافئ بما فيها المنحلة والهابطة، ولا يتوقفون أبدا في جزر العلم والمعارف، لأنها أصلا غير موجودة.

ليس من العدل أن يتقاضى أي إنسان مرتبا من دون أن يقدم أدنى خدمة، بل إن الجزائر الجديدة وقوانينها الصارمة تدعو إلى اعتبار من يأخذ أجرا من دون عمل ضمن خانة الفاسدين، فما بالك أن يكون هذا الأمر، له ضحايا، عبارة عن أطفال ودّعوا مقاعد الدراسة منذ ثمانية أشهر خلت، ولا يعلمون متى يعودون، ولا أحد التفت إلى ضياعهم، بما في ذلك الأولياء، الذين صار همُّهم هو البحث عن بديل ولو مواز بمقابل مالي، حتى لا ينقطع حبل الصلة بين التلميذ والعلم نهائيا.

أكيد أن فاتورة كوفيد 19 ستكون ثقيلة جدا وعواقبها من الناحية المادية وخيمة، لكنها في ميدان التربية والتعليم، قد تكون أشبه بالفاجعة والمأساة، إن لم يسارع الأولياء والأستاذة والأسرة التربوية لإنقاذ بعض الذي ضاع.

مقالات ذات صلة