-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

طوفانُ الأقصى وحواضن المقاومة

التهامي مجوري
  • 266
  • 0
طوفانُ الأقصى وحواضن المقاومة

أكتب هذا الموضوع ليس للتعريف بالمحاضن التي تمثل عمق الدعم للقوة الضاربة للمقاومة، وإنما اكتب للخائفين على مستقبل المقاومة، والمتألمين لما آلت إليه الأحداث من قتل وتدمير وعملية إبادة، في ظل صمت وتآمر دوليين يهددان غزة وأهلها بالانقراض؛ لأذكِّرهم بأن القضايا الكبرى أثمانها غالية، وأن الحق غالبٌ مهما كانت النتائج التي ستنتهي إليها المقاومة؛ لأن المقاومة انتصرت يوم 7/10/2023، عندما ضربت بقوة وحققت ما خططت للعملية العاجلة والمباغتة، والباقي عبارة عن ترجمة لعملية إذلال العدو وإن بدا منتصرا؛ لأن النصر الحقيقي ليس بقلة الموتى، والهزيمة بكثرة القتلى والشهداء، وإنما النصر بتحقيق الوجود وبقاء حياة القضية في الواقع وفي حياة الناس، وبالانتصار للحق وإثبات الوجود.
وقد أثبتت المقاومة أنها موجودة وأن القضية الفلسطينية، ما زالت في ضمير الأمة كما هي، بعد ثلاثة أسابيع فقط من إعلان ممثل الصهاينة في الأمم المتحدة بأن إسرائيل واقع محاط ومحمي بالمطبِّعين، وقوة قاهرة، وبدعم دولي… بعرض خريطتي فلسطين في سنة 1948 وفي سنة 2023، كيف كانت وكيف أصبحت؟ لتفاجئهم المقاومة بما لم يخطر لهم على بال في يوم 7/10/2023.
واكتب أيضا للذين يتباكون على الشعب الفلسطيني، ويلومون ويعاتبون المقاومة التي ورّطت الشعب بخوضها معركة غير متكافئة!
لقد تمنّى هؤلاء لو أن رجال المقاومة صبروا حتى يتمكنوا من امتلاك القوة التي للعدوّ ليخوضوا الحرب… لا أن يغامروا بالشعب ومصيره المجهول، فيصبحوا كالمغرَّر بهم، فيلعب بهم الأمريكان وإيران لتصفية حسابات بينهم!
لهؤلاء وأولئك وغيرهم ممن يتألمون لغزة وما آل إليه حالها، ومن توارثوا تلك الروح الانهزامية أكتب، لأذكِّرهم بحقائق يغفل عنها الكثير عندما يُخضعون قضايا الربح والخسارة للنتائج الآنية القاصرة على الحدث في ذاته، مقطوع الصلة بمقدماته ونتائجه، ومبتوت الصلة بأسبابه وغاياته القريبة والبعيدة… فيغفلون عن أن الحق والجهاد في سبيله يتطلب تضحياتٍ بقدر الاهتمام به، وقضية مجاهدة الصهاينة حقيقة لا يجادل فيها إلا منافقٌ أو متحيز لهم… أما الخسائر المادية والبشرية خاصة، فلا يموت أحدٌ قبل أجَله، ولا يُحرم أحد في الوجود من حق منحه الله إياه، ثم ما هذه المتع والراحة والخيرات التي حرمت المقاومة منها الفلسطينيين فتأسَّفوا عليها، وشعروا بالهوان الذي طرأ عليهم بسبب إعلان الحرب على الصهاينة؟
إن الفلسطينيين يموتون يوميا، في قطاع غزة وفي الضغة وفي القدس وفي غيرها من المدن الفلسطينية، من غير أن يقوموا بشيء يزعج الصهاينة، ومن ثمّ فإن ما يتعرّض له الفلسطينيون ليس جديدا عليهم، وإنما الجديد هو سرعة الأحداث وكثافتها، ولكن في المقابل هناك انتقامٌ قوي من الصهاينة، من واقع يشعر الصهاينة دون غيرهم بالتعبير عن حياة المواطن الفلسطيني الذي يريد الصهاينة إذلاله وقمعه، وهو يريد البقاء والاستقلال.

أول حواضن المقاومة، هو هذا الشعب الذي يدفع الثمن في السلم وفي الحرب، سجنا وتعذيبا وتقتيلا وتهجيرا وإذلالا، ويتمثل أيضا في هذه الجماهير الشعبية المترامية الأطراف في الداخل والخارج، التي يتباكى عليها المهزومون والمتساقطون، بما تقوم به هذه الجماهير من سند مادي ومعنوي؛ بل إن الصبر على المعاناة في هذا الجو من القصف والتقتيل والتهجير والتهديد والتجويع وكل صور الإهانة والإذلال، وتعبر عنه جماهير أهل غزة التي تدفع الثمن غاليا عن الأمة، يعدُّ من أعلى صور الجهاد والمقاومة الباسلة يتمتع بها شعب في مواجهة هذه الهمجية الوحشية الصهيونية.

وأول حواضن المقاومة، هو هذا الشعب الذي يدفع الثمن في السلم وفي الحرب، سجنا وتعذيبا وتقتيلا وتهجيرا وإذلالا، ويتمثل أيضا في هذه الجماهير الشعبية المترامية الأطراف في الداخل والخارج، التي يتباكى عليها المهزومون والمتساقطون، بما تقوم به هذه الجماهير من سند مادي ومعنوي؛ بل إن الصبر على المعاناة في هذا الجو من القصف والتقتيل والتهجير والتهديد والتجويع وكل صور الإهانة والإذلال، وتعبر عنه جماهير أهل غزة التي تدفع الثمن غاليا عن الأمة، يعدُّ من أعلى صور الجهاد والمقاومة الباسلة يتمتع بها شعب في مواجهة هذه الهمجية الوحشية الصهيونية.
لا شك أنَّ الأمر جللٌ ويصعب الكلام عنه من بعيد ومن خارج الميدان، ولكن ما نتابعه على شاشات الفضائيات، في التغطيات المباشرة للأحداث، يكشف لنا –سواء من قبل الاعلاميين مثل الإعلامي وائل الدحدوح مراسل الجزيرة الذي فقد الكثير من أفراد عائلته وأصيب هو نفسه، أو من غيرهم من المواطنين- أن الفئات التي تعاني الويلات في الميدان، هي التي تعلِّم الناس لبّ المقاومة… لا أشكُّ في أن الكثير منهم يعرف عن رجال المقاومة الكثير، ولكنهم صامدون بصبرهم وبدعمهم للمقاومة، وربما هم بواقعهم هذا يمثلون الجانب المدني فوق الأرض الذي يعبّر عن الوجه الثاني للمقاومة مقابل المقاومة تحت الأرض.
إن المقاومة ليست جيشا نظاميا وإنما هي حركة شعبية تحررية، مهما أوتيت من قوة لن تبلغ مستوى الجيش النظامي، ولذلك فنشاطها الأقوى لا يكون في المواجهة المسلحة المباشِرة، إنما يكون في حرب الشوارع وحرب العصابات، وهو الأسلوب الذي تحسنه جميع حركات المقاومة في العالم، والداعم الأساس لمثل هذه الأنشطة هو الشعب بأُسره وجماعاته.
والمحضن الثاني للمقاومة قد يتحول من ضرب المصالح الصهيونية إلى ضرب ومصالح الدول الداعمة لها، وذلك بتوسيع دائرة الحرب من الدائرة الفلسطينية إلى باقي بقاع العالم، وتعود إلى الساحة عملياتُ السبعينيات الموجعة للعالم، كما فعل الحوثيون في اليمن الذين منعوا مرور السفن القادمة إلى الكيان الصهيوني، وهددوا بضربها إن لم تُفتح المعابر لقوافل الإغاثة لغزّة وفلسطين، واليوم قد يكون هذا المحضن أكثر تأثيرا وتدميرا من ذي قبل بفضل التطور التكنولوجي، الذي يمكِّن داعمي المقاومة من خارج فلسطين.
المحضنُ الثالث للمقاومة هم الشباب العربي والإسلامي وغيرهم من شرفاء العالم من “الهاكرز” الذين لهم القدرة على اختراق المواقع الالكترونية الحساسة، في دولة الصهاينة وغيرها من دول العالم الداعمة، وهم كثّر في العالم، ورغم المطاردة التي يعانون منها، فإنهم ما زالوا القوة الضاربة لكسر التقنيات الحديثة التي تفوّق بها الصهاينة… وتعطيل القبة الحديدية في أكثر من مناسبة لا أظنها إلا من يركات جهود حواضن المقاومة.
لا شك أن المحذور هو قضية الموانع الدولية، التي تجرِّم مثل هذه الأنشطة خارج الأطر الرسمية، ولكن منطق المقاومة كفعل شعبي ليس ملزما، بما تقرِّره القوى الدولية الظالمة؛ لأن المقاومة من إفرازات المظالم، التي لم تجد من ينصرها في المؤسسات الدولية… فكل فعل يحقق للمقاومة حقَّها مشروعٌ ومطلوب ولا مانع من الاستثمار فيه بكل قوة.
إن العالم اليوم يتكلم عن التأسيس لعالم جديد، عالم افتراضي، تكون فيه حكومة ومؤسسات متنوعة، يكون فيها التعامل الكترونيًّا، مع المدارس والبنوك والبلديات والمؤسسات الاقتصادية والمؤسسات الاستخباراتية والعسكرية… كل ذلك يسير رقميا، ألا يمكن لهذه الحاضنة الفاعلة للمقاومة أن تخترق أي موقع؟ فتعطل قطاعا أو تفيد قطاعا أو تشوّش على جهة؟…
لا شك أن الاحتياطات التي تقوم بها المؤسسات الصهيونية وغيرها من القوى الاستعمارية، ولكن مع ذلك يبقى ما تقوم به تلك الجهات نشاط بشري واجتهاد إنساني يمكن التفوق فيه بتحيين المعلومات في مجالات عالم الرقمنة، وهذا متاح لكل الناس، وما يعلن عنه بين الحين والآخر من أنشطة الهاكرز في العالم في الاستعمال غير الشرعي ينبِّئ بحجم ما يمكن أن يخدم المقاومة في هذه الحاضنة الكبيرة.
والمحضن الرابع هو مقاطعة المنتجات الغربية، واستبدالها بمنتجات وطنية بديلة؛ لأن مجرد المقاطعة لم يعد مجديا، بسبب أن الناس قد يتعاطفون مع القضية في لحظة انفعال فيمتنعون عن شراء منتوج معين، ولكن بعد ذهاب لحظة الانفعال، سيعودون إلى ما نُهوا عنه، بينما لو يوجد بديل، فإنهم سيألفون البديل الذي حل محل المنتوج المقاطَع. ومن جانب آخر تشق حركة التنمية الوطنية، في عالمنا الإسلامي طريقها في الواقع، فتتّسع دائرة المحاضن بفضل حركة التنمية المطلوبة.
وهناك محضنٌ آخر مهمٌّ أيضا لا يقل أهمية على ما فات ذكره من المحاضن، وهو محضن المعركة القانونية في العالم… باللجوء إلى المؤسسات الدولية، من قبل الدول: مثل ما فعلت دولة جنوب إفريقيا، والمنظمات الحقوقية والمؤسسات الإغاثية، برفع دعاوى قضائية ضد الاحتلال وجرائمه، وتعبئة الشعوب الغربية الداعمة للعدل والحريات والثورة على أنظمتها، لاسيما في مواجهة أنظمتها التي تسْتعمل ممتلكاتها لصالح الصهاينة في حربها.
كما يضاف إلى ذلك حواضن الدعم الاجتماعي: الجمعيات الخيرية والحركات النقابية في العالم، بالنشاط الإغاثي وتقديم الإعانات المادية الغذائية والأدوية والخدمات الطبية وغير ذلك من الأنشطة الإغاثية المختلفة… وكذلك القيام بالحملات الإعلامية وحرب الدعاية المساندة لحركة المقاومة في مشروعها التحرري، بالاستثمار فيما حققت المقاومة من مكاسب للقضية، وتحييد شرائح عريضة من المجتمع الإنساني السياسي والمدني، والاستثمار في كل من فيه بقايا من الإنسانية، من اليهود خصوم الصهاينة، ومن غيرهم في خصوم الاستعمار والصهيونية في العالم، ممَّن لهم عواطف تجاه حقوق الإنسان والحرِّيات والعدل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!