-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عالم بلا أسرة؟

التهامي مجوري
  • 2964
  • 0
عالم بلا أسرة؟

بإعلان دولة أيرلندا، عن إباحة زواج المثليين -الشواذ جنسيا-، تنفيذا لنتائج استفتاء شعبى عبر عنه بنسبة 62 بالمائة من الناخبين الأيرلنديين، يرتفع عدد الدول المبيحة للزواج المثلي، إلى 19 دولة عالميا، و14 دولة أوروبيا. وأول من سن التشريع بإباحة زواج المثليين، دولة هولندا سنة 2001، ثم استشرى الأمر وتمدد في المجتمع الغربي ليبلغ العدد 19 دولة، تعترف كلها بزواج الشواذ وهى اليوم: ألمانيا، أندورا، أيرلندا، كرواتيا، التشيك، فنلندا، إسرائيل، لوكسمبورغ، ليختنشتاين، سلوفينيا، سويسرا، المجر، ولايات نيوساوث ويلز، كوينزلند، تاسمانيا وأستراليا الغربية في أستراليا وولايات مختلفة في الولايات المتحدة.

وعندما يبلغ عدد الدول المرحبة بهذا التشريع المخالف للفطرة البشرية 19 دولة من بين 230 دولة في العالم تقريبا، أي بنسبة أكثر من 8 بالمائة من مجموع دول العالم، خلال 14 سنة فقط، ما بين سنتي 2001/2015، فإن العالم يصبح مهددا في القريب العاجل بمجتمعات بلا أسر، أي مجتمعات لا آباء فيها ولا أمهات ولا أبناء ولا أخوال ولا أعمام، وكما يقول مثلنا الشعبي “داب راكب مولاه”.

لا شك أننا نحن المسلمون ربما نستبعد هذا في مجتمعاتنا الإسلامية؛ لأسباب دينية من ناحية، ومن ناحية أخرى؛ لأننا نعرف أن مثل هذا الشذوذ موجود في التاريخ، فاللواط بين الذكور والسحاق بين الإناث، لم يخل منه عصر، ولكنه كان كالشاذ الذي يحفظ ولا يقاس عليه، ولذلك أهمل كما تهمل الأمور غير العادية، وأطلق عليه مصطلح “الشذوذ الجنسي”؛ وذلك لمخالفته للطبيعة البشرية السوية.

وهذا المنطق هو الغالب عند جميع البشر، وليس عند المسلمين وحدهم، وربما يشاركنا في هذا الاعتقاد جل أهل المعمورة؛ لأن الإنسانية لم تعرف مرحلة كانت خالية من الأسرة بمفهومها التاريخي التقليدي، أمومة وأبوة وبنوة وأخوة وخؤولة وعمومة، ولا زال الكثير من القساوسة والحاخامات يحاربون، هذا الشذوذ ويعارضونه بشدة دينيا، وكذلك رجال العلم من القانونيين والإجتماعيين والمربين، لكونه مضاد للمنطق البشري، وليس لمنطق آخر، وإلا فإن المسار الفكري للغرب ومنهجه، يتماشى مع الزواج المثلي أكثر من إقراره للأسرة التقليدية، وهنا مكمن المشكل؛ لأن منطلقات ومسارات الفكر الغربي، كلها تسير في اتجاه التطور، والبحث في سبل التخلي عن كل قديم، فأخضع بذلك كل شيء لنفس المنطق التطوري الذي لا يؤمن بثابت في الحياة.

على أن نسبة 62 بالمائة من الأيرلنديين واختيارهم، ليس خطأ أو خيارا مضادا للمنظومة الفكرية الغربية المتعلقة بعالم الإنسان، وإنما هو اختيار من صميم أصول الفكر الغربي، المطلق للحريات والضامن لمسارات التغيير والتبديل إلى أبعد حد.

إن المنهج الفكري والقانوني، لمثل هذه القضية، قضية الزواج المثلي والأسرة التقليدية، في الغرب ينطلق، ينظر إلى أن شكل الأسرة التقليدي، يمكن تجاوزه، بأمور أخرى أحدث، وأكثر ملاءمة للخيارات التي تليق بإنسان العصر وخياراته، ومن بين السبل المؤدية إلى ذلك البحث في معرفة الغاية من الزواج بين الجنسين؟ وما هي المصالح المشتركة والمتبادلة بينهما؟ لأن علاقات العالم فيما بين فئاته وأفراده مبنية على المصالح، أولا وأخيرا، ووفق هذه المنهجية توصل الغرب إلى أن العلاقة بين الزوجين والمصلحة بينهما لا تزيد عن “اللذة”، المتبادلة بين الجنسين. وما دامت اللذة هي الشيء الوحيد الذي يربط العلاقة بين الجنسين، لا يمكن للإنسان أن يبقى حبيس هذه الصورة، صورة الزواج التقليدي، وإنما يمكن تجاوزها وتحقيقها بين ذكرين أو أنثيين، عبر اللواط والسحاق، المعروفين في تاريخ الإنسان، ولكنهما معروفين بصورة مستهجنة، ولا بد للعالم أن يتجاوز كل ما كان مستهجنا في التاريخ، اما قصة الواجبات الأسرية نحو الطفولة وما بين الأصول والفروع من التزامات، فإن الدولة المعاصرة تطورت بحيث تقدم  ضمانات اجتماعية كاملة للأفراد والجماعات، كما كانت تقدمها الأسرة التقليدية وأفضل، ومن ثم فإن الأبوة والبنوة التقليديتين، يحل محلهما المجتمع والمواطنة وتكنولوجيات الإنسان الآلي، فالمجتمع بمؤسساته يمثل الأبوة والأمومة، والمواطنة وتكنولوجيات الإنسان الآلي تمثل البنوة.

إن الضمانات التي تقدمها مؤسسات المجتمع، حقيقة تحقق الكثير مما كان على عاتق الأسرة التقليدية، وفلسفة الإنجاب يمكن تعويضها بالإنسان الآلي، وما تحققه صلة الرحم يمكن تعويضه بالخدمات الاجتماعية، ومؤسساتها التي تنشأ كالفطريات لمعالجة مشكلات الأبناء غير الشرعيين والأمهات العازبات والعجزة الذين تخلت عنهم أسرهم.

وإذا كان العالم الإسلامي اليوم بمنأى عن مثل هذه القناعات، فلا يمكن أن يبقى على ما هو عليه اليوم، إذا استمرت الأمور كما هي، وإنما هو معرض لدخول الصف بشكل أو بآخر، ما دام الأمر يتطور في الغرب بهذا الشكل وبهذه السرعة؛ لأن مسار الفكر البشري يسير في اتجاه التحلل من كل ما هو تقليدي، باسم العصرنة والحداثة وما بعد الحداثة، لا سيما والفكر المقاوم لا يزال ضعيفا، والشاهد على ذلك التحلل من قضايا تقليدية دينية وعرفية كثيرة، متعلقة بالمرأة والتربية والتعليم وبشكل النظام السياسي ومعاملات اقتصادية ومالية، على المستوى الرسمي وفي بعضها انتقل إلى المستوى الشعبي أيضا.

وإذا كان الناس مطمئنين على مستقبل الأسرة في الحياة البشرية، فأنا متشائم ومتخوف جدا؛ لأن مقدمات الموضوع قد خاضها المجتمع الإسلامي، وحسم في قضايا كثيرة منها وفق ما يمليه الغرب علينا، فالكثير من المعاصي في الدين الإسلامي، وكثير من المخالفات العرفية، قد شُرِّع لها، واعتادها الناس وأصبحت كأنها من الأمور المشروعة في حياتهم، وما لم يُشَرَّع له بالإباحة والجواز فقد يسرت سبله، فالآن لا نجد تشريعا في العالم الإسلامي يبيح الزنا مثلا، ولكنه من الناحية العملية قد يسرت أموره إلى أبعد حد، وذلك لم ينزل عليها طفرة وإنما سرى فينا تدريجيا إلى أن أصبح من اليسر بمكان.

إن نظام الأسرة من أقدم وأرقى النظم التي عرفها الإنسان كما قال ول ديورانت؛ لأنه مبني على عقد تراحمي كما قال عبد الوهاب المسيري رحمه الله (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة..)، ومن ثمار العقود التراحمية التوافق والتواد والتكامل والتعاون والسلام…إلخ، والغرب رغم تطوره وتطور علومه ورقي مؤسساته لا يزال يعتمد العقد الاجتماعي، كأساس في نظمه، وتحقيق المصالح كمسالك اجتماعية سياسية اقتصادية، وثمار هذا المنحى الأنانية والمادية المؤديتان إلى الصراع والعدمية.

رغم ان العقد الإجتماعي وما انبثق عنه من تنظيمات سياسية ومدنية، عبارة عن تعويض لما فقد الانسان من تكتلات  طبيعية منها نظام القبيلة… ألا يشبه الحزب والجمعية في مراميه، نظام القبيلة في المجتمعات التقليدية؟ وقياسا على ذلك يكون الزواج المثلي بديلا للأسرة التقليدية التي عرفها الإنسان، وهي المحصلة النهائية إذا لم يتحرك الإنسان لمقاومة هذا السلطان الإجتماعي الذي سينخر الإنسان.

إن نظام الأسرة إذا أخضعناه إلى مجرد عقد اجتماعي وتبادل لذة، كما هو الواقع في الغرب، تغيب فيه كل معاني الإنسان، وما تحمل في طياتها من معاني السمو البشري وغاياته التي لا يشعر بها إلا من بقي في نفسه معنى السكينة والرحمة والمودة. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • Hassan

    السلام للاستاذ الصابر المحتسب صاحب الرئية الخارقة.
    سبحان الله كانه تنبا متدرسهو الجامعات فى هذاالمظوع.
    السويدالمانيا واسطرالياوبعض الوليات فى امريكا.
    يقولون انه الخطرالنفسى وفى اغلبيت الاحيان الانتحاربعدالشذوذ.0

  • طارق

    زواج الشواذ ممنوع فى كرواتيا
    وبيوت الدعارة ممنوعة قانونيا