-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عبد الرحمن الوغليسي.. الفقيه البجاوي الذي وصلت فتاويه بقاع العالم

فاروق كداش
  • 1908
  • 0
عبد الرحمن الوغليسي.. الفقيه البجاوي الذي وصلت فتاويه بقاع العالم

قد يكون الفقيه الصوفي، أبو زيد عبد الرحمن الوغليسي، من بين العلماء الجزائريين القلائل، الذين حظوا بمكانة دينية مميزة، خاصة في بجاية، ومنها إلى كل أرض وطأها الإسلام. وقد اشتهر هذا الفقيه بكـتاب “الأحكام الفقهية”، المعروف أيضا، باسم”الوغليسية”. كتاب، ذاع صيته. وقد فسره وشرحه العديد من الفقهاء الجزائريين والمتصوفة. الشروق العربي، تعرفكم على الشيخ المجاهد الوغليسي، أحد أعمدة الحياة الثقافية والروحية في بجاية الحاضرة.

تباين أصحاب كتب التراجم والمناقب والفقه في تنميط عبد الرحمن الوغليسي. فبينما وصفه معاصره ابن قنفذ القسنطيني بالفقيه الصالح المفتي، نعته في القرن التاسع الهجري الولي المشهور عبد الرحمن الثعالبي بالفقيه الزاهد. ووضعه محمد مخلوف وأبو القاسم الحفناوي في خانة الفقيه المحدث. وأضفى عليه الحسين الورثلاني صفة الكرامة.

ولد أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله الوغليسي البجائي في بداية القرن الثامن الهجري، نحو عام 702 هـ، الموافق لسنة 1303 م، بمنطقة آث وغليس، جنوب مدينة بجاية، على أطراف حوض وادي الصومام والمنحدرات الجنوبية لجبال أكفادو، قرب سيدي عيش.

ترك الوغليسي مقدمته الشهيرة في فقه العبادات. اقتصر على القول المشهور، وفق مذهب الإمام مالك، متجنبا الخوض في خلاف المسائل، ونزع إلى الجمع بين فقه العبادات وأسرار أحكامها، مركزا على الجانب الروحي، مخاطبا القلب والعقل، لتحقيق كمال الإنسان الأخلاقي، على طريقة الصوفية، فقدم بذلك نموذجا مزج فيه بين الفقه والتصوف، مصرحا بطريقته الصوفية القائمة على المجاهدات، دون إنكار العقل الذي يعتبره وسيلة للتأمل. لكنه يعتبر إدراك الحقائق الإلهية من اختصاص القلب، وليس العقل. وبذلك، تمكن من إدماج التصوف في المنظومة السنية المالكية، وإبقائه داخل الشريعة، من خلال ممارسته ضمن فقه العبادات.

وقد تهافت الفقهاء والصوفية لشرح كتابه “الأحكام الفقهية”، ما أدى إلى اتساع شهرته. فقد شرحها الفقيه عبد الكريم الزواوي، في كتابه “عمدة البيان في معرفة فرائض الأعيان”. وانتشرت فتاويه في كتب النوازل، مثل كتاب “الدرر المكنونة في نوازل مازونة”، لمحمد بن أبي عمران المغيلي المازوني، وكتاب “المعيار المغرب والجامع المعرب عن فتاوى علماء إفريقيا والأندلس والمغرب”، لأبي العباس أحمد الونشريسي.

كانت وفاة سيدي بوزيد الوغليسي في سنة 1384 م، الموافق لعام 786 هـ. وقد دفن في منطقة بجاية، شرق جرجرة وجبال الخشنة والأطلس البليدي.

الفقة في عباءة التصوف

صهر عبد الرحمن الوغليسي الفقه والتصوف في بوتقة واحدة، ملفوفة في غطاء فقه العبادات. ويظهر ذلك جليا في عرض تفصيله لـ”المعاصي المتفرقة على الجوارح”. وهي دعوة ملحة إلى ترك الدنيا والإقبال على الآخرة، بتطهير القلب بواسطة الإخلاص في العبادات.

وللوصول في رأيه إلى تحقيق هذه الغاية، وضع مراتب يقطعها المتعبد، أولها مرتبة “التقوى”، التي يلتزم فيها المتعبد بأوامر الله ونواهيه، والاقتداء بحياة النبي- صلى الله عليه وسلم-.

وينتقل الوغليسي إلى مرتبة “الصبر والرضا والقناعة”، وفيها يتجلى الصبر على المجاهدات الشاقة، من صيام وقيام ليل وتهجد. ويعقب ذلك حالة من “الرضا”، يستوي فيها عند المتعبد الفعل والترك. وقد تأثر الوغليسي بالشيخ أبي حامد الغزالي وكتابه “إحياء علوم الدين”، خاصة في مسألة العقل كوسيلة للتأمل في مخلوقات الله.

هذا، فضلا عن تأثره العميق بشيخه ابن إدريس الأيلولي، في المجاهدات، من صيام وقيام وصدقة.. فقد كان يلقب الأيلولي بفارس السجاد، لكثرة مجاهداته. ولا عجب في أن يكون الوغليسي قد تلقى عن شيخه ابن إدريس مؤلفاته في التصوف، ككتاب “المسلسل بالأولوية”، وكتاب “مصافحة المعمرين”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!