الرأي

عبّاس.. مصالي الحاج فلسطين

حسين لقرع
  • 1409
  • 9
ح.م

كشف الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال قمة وزراء الخارجية العرب أنه أبلغ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أكتوبر 2017 بـ”إيمانه بقدرة الفلسطينيين على العيش في دولةٍ منزوعة السلاح بعد أن جرّبوا الطريق المسلّح ولم يُثمر، وبعدها بشهرين أعلن ترامب القدسَ عاصمة موحّدة لإسرائيل”!

يذكّرنا هذا التصريح الغريب للرئيس عباس بزعيم الحركة الوطنية الجزائرية مصالي الحاج، مع بعض الفروق؛ فقد قضى مصالي سنوات طويلة من عمره وهو “يناضل سلميا” لإقناع الفرنسيين بمغادرة الجزائر والاعتراف باستقلالها، وأسَّس لهذا الغرض العديد من الأحزاب، واستقطب إليه الكثير من الشباب المؤمن باستقلال وطنه، لكن حينما طال الأمدُ بهؤلاء المناضلين الشبان وتيقنوا تماما أنّ فرنسا لن تغادر الجزائر سلميا، وأنّ مصالي متشبّثٌ بالأساليب السياسية العقيمة نفسها ولن يعلن الثورة المسلّحة لطرد الاستعمار، مع أنها الخيار الوحيد المتبقي لتحرير البلاد.. تولّوا زمام الأمور بأنفسهم، وتجاوزوا مصالي، وشكلوا جبهة التحرير الوطني وحلّوا الأحزاب وأعلنوا الثورة في 1 نوفمبر 1954. وحينما اشتدّ لهيبُها، بدأ الفرنسيون يطرحون فكرة المفاوضات ويدعون المجاهدين إلى إلقاء السلاح، وعرض عليهم دوغول ما أسماه “سلم الشجعان”، لكنهم رفضوا قطعا وضع السلاح ما دامت المفاوضات لم تُثمر وواصلوا الكفاح إلى أن نجحت المفاوضات في 18 مارس 1962 وأعلِنَ وقفُ القتال، لتستقلّ الجزائر وتدخل ثورتُها التاريخ كحلّ وحيد لطرد أي احتلال استيطاني بغيض.

حتى الرئيس عرفات قال في الأمم المتحدة مقولته المشهورة “أتيتكم اليوم ببندقيةٍ في يد وغصن الزيتون في يد، فلا تُسقطوا غصن الزيتون من يدي”، وهي عبارة تؤكّد أنه لا تعارضَ بين الكفاح المسلح والمفاوضات، وأن السلاح وسيلةُ ضغط على العدوّ خلال المفاوضات، لكن الرئيس عباس يقول إنه غير مُثمر والمفاوضات وحدها هي المثمِرة وستقود إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967!

الكفاح المسلح لم يفشل في فلسطين، بدليل أنّ غزة حُرّرت بالقوة وليس بالمفاوضات.. خمس سنوات والمقاومة تصارع الاحتلال بالسلاح في إطار الانتفاضة الثانية المسلحة التي اندلعت في سبتمبر 2000، واستمرّت في تقديم قوافل الشهداء إلى أن أجبرت رئيسَ وزراء العدو آنذاك أرييل شارون على سحب جنوده ومستوطنيه من غزة في أوت 2005 لإيقاف الخسائر.. لكن المقاومة لم تنجح في الضفة، لأنّ عباس الذي تولى رئاسة السلطة فور استشهاد الرئيس عرفات في نوفمبر 2004، لم يواصل نهجه وأوقف الانتفاضة الثانية في 2005 وعاد إلى “التنسيق الأمني” مع الاحتلال، واليوم لم يعُد هناك أثرٌ للمقاومة في الضفة بسبب تورّط 43 ألف من شرطة دايتون في مطاردة المقاومين الفلسطينيين جنبا إلى جنبِ جنود الاحتلال!

العدوّ لا يفهم إلا لغة القوة، والسلاحُ هو الذي حرّر غزة بعد 5 سنوات من الصمود والتضحيات، أما المفاوضات العبثية التي استمرّت 25 سنة فقد أدت إلى تفكيك أوصال الضفّة بالمستوطنات وبروز صفقات تصفية القضية الفلسطينية، ومع ذلك لا يزال عباس يستجدي الاحتلال ويقدِّم له المزيد من التنازلات المجّانية عوض أن يُنهي اتفاق أوسلو ويحلّ السلطة ويترك الفلسطينيين يقاومون الاحتلال، لذلك لم يعُد أمامهم حل آخر سوى أن يبرز بينهم من يستطيع أن يكرّر معه ما فعله بن بولعيد ورفاقُه مع مصالي قبل 64 سنة.

مقالات ذات صلة