-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عندما تصطدم حاجة الأمة بمصالح المستكبرين

التهامي مجوري
  • 2249
  • 2
عندما تصطدم حاجة الأمة بمصالح المستكبرين

منذ مدة ومواقع التواصل الاجتماعي تتبادل تسريبات روسية، مفادها أن الاسم الحقيقي لأمير داعش أبوبكر البغدادي، هو شمعون إيلوت، وهو يهودي الأصل، وعميل للإستخبارات الصهيونية، انتدبته الموساد، “لإختراق التحصينات العسكريّة والأمنيّة للدول التي تشكل تهديدا لأمن إسرائيل و تدميرها وتسهيل اجتياحها لاحقا، بغية التوسّع و تأسيس إسرائيل الكبرى”، كما تابع كل مهتم ذلك الفيديو الذي أعده مختص في الإخراج ومعالجة الصور والحركة والتركيب السمعي البصري، للتشكيك في حرق الطيار الأردني، وأكد معد الفيديو بالدليل العلمي والفني أن الطيار لم يحرق، وكذلك الرعايا المصريين الذين قيل أنهم ذبحوا في ليبيا، يصر البعض أن الذبح لم يقع، وإنما ما نشر وأعلن عنه عبارة عن تمثيلية لتبرير عمل سياسي او عسكري ما، في أفق الأحداث بليبيا، وذكروا من الأدلة الكثير أيضا، فمنهم من يقول أن المكان الذي صورت فيه العملية، لا علاقة له بالأرض الليبية، ومنهم من قال أن هيئة المقتولين وحركاتهم لا تدل على أنهم أسارى في قبضة أعداء لهم، وإنما هيئاتهم توحي باستعداد للتمثل، فلا خوف ولا ارتباك ولا تعثر، وكذلك قامات مقتاديهم وهيئاتهم لا توجد فيها ملامح العربي..، وكذلك واقعة شارل إيبدو، هناك من يشكك في صدقية الواقعة أصلا وقد تناقل الناس الكثير من المشاهد المحيرة والتي لم يجدوا لها تفسيرا، الرصاصات المطلقة من قبل القاتلين، وبطاقة التعريف التي سقطت لأحدهم، وزمان ومكان الواقعة والكيفية التي أديرت بها، ومن أغرب ما رأيت هذه الأيام وتابعت أيضا صورة للشيخ أسامة بلادن وإلى جانبه كوندوليزا رايس، وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، مبدعة “الفوضى الخلاقة” في الشرق الأوسط.

قبل مناقشة الشك الذي يحوم حول هذه الوقائع كلها ومدى صدقية روايتها وتناقلها، فإن الموقف الطبيعي من مثل هذه الأمور، هو الإدانة والشجب والرفض لهذا النوع من الفعل اللاإنساني؛ باعتبار أن ذلك ظلم واعتداء على الناس وحرماتهم، مهما كانت المبررات، ثم بعد هذا الانطباع الأولي الفطري، ينصرف التفكير بطبيعة سيرورته، إلى السؤال الطبيعي وهو لماذا؟

لماذا كان تنظيم داعش بهذه القسوة والهمجية؟ ولماذا يكون قتله لأسراه ذبحا وليس رميا بالرصاص مثلا؟ ولماذا ولدت داعش في هذه المنطقة دون غيرها؟ ولماذا تملك كل هذه القدرة على التحرك والانتقال من مكان إلى آخر بهذه السرعة وكأنها رمال متحركة زاحفة؟ ولماذا ذبحت داعش الطيار الأردني؟ ولماذا ذبحت نصارى مصر بليبيا؟ ولماذا كان الاعتداء على شارلي إيبدو؟ ولماذا صورة أسامة بلادن مع رايس وقد شبع الرجل موتا، ولماذا؟  ولماذا؟  ولماذا؟  ولماذا؟  إلى ما لا نهاية له.

قد تصدق هذه الأخبار كلها أو بعضها وقد لا تصدق، كما قد تصدق تحليلات المحللين لها في أي اتجاه كان وقد لا تصدق، ولكن اليقين أن المتابع لها لا يصل إلى موقف نهائي فيما يعرض عليه الإعلام من أحداث لا سيما في مثل هذه الوقائع وبشاعتها وقسوتها، ولا يستقر في ذهنه شيء ذو قيمة معتبرة؛ بل إن موقفه المبدئي الذي هو إدانه الفعل اللاإنساني، سوف يهتز، لما يحوم حول هذه القضايا من شبهات، فينصرف تفكيره إلى ما قبل ذلك، ولا يتردد في إدانته أيضا، وهو أن هناك واقع قبل هذه الأحداث، ربما كان السبب المباشر لظهور هذه التطرفات.

وهذا الواقع هو السبب الرئيس والحقيقي واليقيني، وهو أن هناك مظالم كبرى مسلطة على العالم الإسلامي وغيره من الشعوب الفقيرة، من قبل الدول الصناعية العظمى، ومنظومات العالم الثقافية والسياسية والاقتصادية، وهناك مظالم أخرى تليها وهي المظالم التي ترتكبها الأنظمة في العالم الإسلامي في حق شعوبها.

وكل ما في هذه البقعة من العالم من مشاهد مؤذية ومخزية، في تقديري هو نتاج هذه العلاقات المهزوزة بين هذه الفئات الثلاث، ووجهي العلاقة بينها: بين النظام الدولي والأنظمة المحلية في المجتمعات الضعيفة، وبين الأنظمة المحلية وشعوبها.

فما يقع في سوريا ومصر والعراق وليبيا واليمن، ووقع قبل ذلك في الجزائر والصومال وغيرها، هو نتيجة حتمية لما شهدت هذه البلاد من استبداد وظلم، وتجاوزات للسلطة والمتنفذين فيها على شعوبها، وما تعانيه هذه الأنظمة من ترهيب وترغيب، وافد عليها من المؤسسات الدولية –دول ومؤسسات-، وعلى رأسها الشركات متعددة الجنسيات، التي أضحت تمثل بثقلها، قارات وليس دول فحسب.

فعندما تكون الانتفاضات الطبيعية في بقعة ما من العالم ومنه العالم الإسلامي وسائر الدول الضعيفة، استجابة لقانون الطبيعة “الضغط يولد الانفجار”، يدخل النظام الدولي بكله وكلكله، انتهازا لفرصة الفوضى المنبثقة عن سوء العلاقة بين أطراف المشكلة، ليحافظ على مصالحه، لا أكثر ولا أقل.. دول وشركات وشخصيات ومنظمات إقليمية ودولية، حكومية وغير حكومية، لها مصالح في تلك البقعة.

وعلى ضوء هذه المصالح تتحرك هذه القوى، في الاتجاه الذي يبدي مشروعية الفعل وإخفاء سلبياته، فإذا كانت المصلحة تقتضي دعم النظام السياسي، فإن الآلة الاعلامية تتحرك في هذا الاتجاه، وإذا كانت المصلحة في إسقاط النظام، فإن مناصرة مشروعية المطلب الشعبي تظهر هي الأولى بالدعم.. ثم يطفو على السطح تضارب المصالح، فتتقاسم القوى الدولية أدوار التأييد، طرف يؤيد الشعب وآخر يؤيد السلطة، ويسوَّق ذلك من الجهتين، على أن الرشد هنا عند هذه الفئة وهناك عند تلم الفئة، فينصرف الرأي العام إلى مناقشة مناصرة هذه الفئة أو تلك، ويعمى الجميع على أن هذه القوى بمجموعها فاقدة للشرعية؛ لأنها استدرجت لغايات أخرى لا ناقة لها فيها ولا جمل.

إن وقوع العنف في أي بقعة من العالم، غير طبيعي، وما يدفع إليه وإلى آثاره، من مآسي غير طبيعي أيضا، والعلاج لا يمكن أن يكون خارج ما طبع عليه الإنسان من قيم أخلاقية، ولكن بكل أسف المنظومة الدولية اليوم لا أخلاق لها، ولا تريد أن تكون لها أخلاق، ومن ثم فإن العلاقات القائمة بين أطراف العالم كلها مبنية على المصالح. وما يسوق على أنه ديمقراطية او حقوق إنسان أو عدالة او حرية، فكل ذلك يشبه مشروعية ثورية داعش وإدانة فعلها.

وعندما تتعقد الأمور، ويصبح تحقيق المصلحة متعذر بمساعدة طرف على طرف، فإن الفوضى بالنسبة إلى القوى الغالبة، هي الغاية المطلوبة، حيث تتقطع حبال الثقة بين المتنازعين، وينشغل الناس بمناقشة هذه الواقعة حصلت أو لم تحصل، وما علاقة هذا الأمر بكيت وكيت من الأفعال، وذلك يديم الأزمة ويعقدها، بحيث يقضى على الأمل وعلى العودة إلى العقل، والواقعين العراقي والسوري، أكبر شاهد على ذلك، ولذلك قال الأستاذ عبد الحميد مهري رحمه الله في بدايات الأزمة في الجزائر سنة 1992/1993، لقيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ ولممثلي السلطة يومها، إحذروا اللجوء إلى العنف، لإن بدايته محدودة ومعروفة، ولكن نهايته لا أحد يستطيع التحكم فيها، ولا استشراف نتائجها.

إن الأنظمة الشمولية والاستبدادية، تحاول إقناع الناس بإمكانية التحكم في الفئات الشعبية التي تحكمها إذا ما تحركت ضدها، وذلك بالاعتماد على القوات الأمنية، وباختراقها بواسطة الموالين والعملاء للأجهزة الأمنية، ولكن الحقيقة الأخرى هي ان مواجهة الشعوب عندما تتحرك وتتمرد، أصعب من مواجهة الجيوش الكبيرة؛ لأن مواجهة الجيش مهما كان قويا، فإن قوته مشاهدة وساحاته محدودة ومضبوطة، أما حركة الشعوب، فهي تحركات مجهولة العدد والعدة؛ لأنها تعتمد السبل اليسيرة في التشويش على النظام السياسي، والعمل على إرباكه والضغط إليه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • عثمان

    لقد أعجبني تعليق أحدهم في موضوع مماثل هنا على الشروق, حين قال :

    --- ناس يٌحظر لها لاستعبادهم من جديد و هم يغنون الشعب يريد ---

  • متابع

    معكم في كل ما ذكرتم ولا حيلة لمجتمع مريض بدوله