الرأي

“عنصريون” ضد كل ما هو جزائري!

ح.م
عمر عبد الكافي

قبيل إلقاء الداعية المصري عمر عبد الكافي لمحاضرته بجامع الأمير عبد القادر بقسنطينة، تقدّم خطيب الجامع الكبير، الذي مازال إلى حد الآن الأكبر والأفخم في الجزائر وبلاد المغرب العربي، ومدح طويلا رجل الدين المصري، وقال بأن الداعية أبهره في أحد برامجه التلفزيونية، فسمى ابنه من شدة التأثر والإعجاب به.. “عمر عبد الكافي”.

الأمر يبدو عاديا من الوهلة الأولى، ولكن المنطق يقول إن خطيب جامع مثل الأمير عبد القادر بمدينة مثل قسنطينة، من المفروض أن يكون هو القدوة الذي يتبّعه غيره ويتلقبّون باسمه وليس العكس، مع كامل الاحترام للداعية المصري وللخطيب الجزائري ولغيرهما، ولا أظن أن اسما مثل عبد الحميد بن باديس أو مالك بن نبي أو البشير الإبراهيمي وجمعا من معالم المدينة والجزائر، يُسبّب الحساسية، لو تسمى بهم ابن أي جزائري من رجالات العلم ومن عامة الناس، ولكن الحبّ المفرط والمبالغ فيه أحيانا، لكل ما هو قادم من الخارج، هو الذي جعل في مواليدنا طارق السويدان ومحمد الغزالي وأنور السادات ويسرا وجمال عبد الناصر وحسن نصر الله وعبد الحليم حافظ، وما جعل منهم، الأمير عبد القادر الجزائري أو العربي بن مهيدي أو أحمد وهبي.

صحيح أن الشيخ عبد الحميد بن باديس أطلق على ابنه الوحيد إسماعيل عبده تيمنا بالشيخ محمد عبده الذي زار الجزائر في سنة 1903، ولكن الشيخ كان في ذلك الوقت في السابعة عشرة من العمر، قبل أن يدخل عالم الدعوة والإصلاح، ويؤم الناس في الحرم الشريف، كما كانت محاضرات مالك بن نبي في القاهرة يحضرها الوزراء والمفكرون.

الأمر لا يقتصر على ميدان الدعوة التي جعلت الجزائريين لا ينهلون إلا مما هو قادم من هناك، بل شمل عالم السياسة والرياضة والاقتصاد والثقافة والتجارة، فتحولت إلى عقدة ولّدت عنصرية جزائرية مقلوبة ضد كل ما هو جزائري، بالرغم من أن بعض الجزائريين من الذين سافروا للعلاج في فرنسا وجدوا أنفسهم على سرير التشخيص قبالة أطباء جزائريين، وطلب آخرون أكلات لذيذة من مطاعم أوروبية فاخرة فوجدوها من فاكهة وخضر ولحم ضأن وطبخ جزائري، وتمتعوا بألحان وألعاب، اتضح أن منتجيها ومبدعيها جزائريون.

جزائريات سمين بناتهن يسرا تيمنا بفنانة مصرية في عز ازدحام التاريخ الجزائري بالجميلات والماجدات، وإذا بالفنانة يسرا تشتم الشعب الجزائري بعد أحداث أم درمان الشهيرة، وجزائريون في عزّ حرب أكتوبر وفي خضم أم المعارك، سموا أبناءهم أنور السادات وصدام حسين في وجود أطلس من ملايين الشهداء والأبطال الجزائريين.

في الأسواق، يُقلب بعضنا البضاعة ذات اليمين وذات الشمال، بحثا عن اسم البلد المنتج، وسيكون مصيرها الاستهلاك، إذا لم تكن جزائرية، وفي عالم السياحة لا يحلو التجوال مع العائلة إلا خارج الخارطة الجزائرية، وفي الفكر وفي الرياضة والفن والصناعة والفلاحة والسياسة والاقتصاد، كل الأشياء بما فيها التي لا لون فيها ولا طعم ولا رائحة، تعلو فوق ما هو جزائري!

مقالات ذات صلة