الرأي

فاشلون برّا وبحرا وجوّا!

محمد حمادي
  • 3921
  • 4

فضائح قطاع النقل التي طارت في السّماء وشقّت عُباب البحر وساحت في الأرض ببلادنا، هاهي تسافر إلى العالم بأسره؛ فوقفت الشعوب من مختلف القارات، على مشاهد مؤسفة كان ضحيتها مئات المسافرين الذين افترشوا الأرض بالمطارات لتأخر موعد الإقلاع بساعات، وآخرون عاشوا حالة من الرّعب والفزع في الجو، بعدما أصيبت الطائرة التي تقلهم بعطب تقني وعادت إلى المطار الذي انطلقت منه!

عيب وعار أن يعرّي فشلنا الآخر المُنبهر بالثروات الباطنية والبشرية التي يكتنزها بلد بحجم قارة اسمه الجزائر، في حين نضرب نحن في كلّ مرّة لأنفسنا موعدا مع الرداءة والتسيّب وسوء التسيير، الذي جعلنا في محطات عدّة أضحوكة ومصدرا للتندر لدى شعوب العالم؛ فكيف نفسّر اعتراض مقاتلة حربية فرنسية  لطائرة تابعة للجوية الجزائرية كانت تُؤمّن  رحلة بين قسنطينة وليون؟ كيف تجاهل طاقم الطائرة اتصالات برج المراقبة الفرنسي؟

الفشل اصطبغ بألوان التسيّب والإهمال واللاّمبالاة، التي يدفع ثمنها بلد برمّته، والأخطر من ذلك أنّنا صرنا لا نلقي بالا لمثل هذه الأمور الخطيرة، وإلا كيف نفسّر تبرير مسؤول في الجوية الجزائرية اعتراض طائرة شركته من قبل مقاتلة حربية فرنسية بأنها إجراءات عادية لا تسلم منها حتى كبريات شركات الطيران العالمية؟ ! هل يمكن أن نصنّف منع الصين لطائرات الجوية الجزائرية من برمجة رحلات نحو هذا البلد الآسيوي بسبب ضعف خدماتها في خانة العادي؟ إلى هذا الحدّ بلغ انحدار خدمات الجوية الجزائرية، حتّى صرنا  نوضع في المرتبة ذاتها مع  أفغانستان المضطربة أمنيا وسياسيا؟ لماذا أصبحنا نتفنّن في صناعة الحجج واختلاق التبريرات التي نعلم سلفا أنّها واهية؟

الحقيقة هي أنّ كثيرا من المسؤولين يختبئون وراء عبارة “عادي في بلدي”، التي أضحت تغطي غابة الفشل الذريع، الذي طال كل القطاعات. وليت مهازلنا بقيت تُحلّق في السّماء، بل امتدت إلى البحر الذي تشق عبابه يوميا بواخر جزائرية ميّمنة وجهها شطر الضفة الأخرى من المتوسط؛ لتتحوّل رحلة من عليها إلى عذاب؛ فهي لا تتوفر على شروط السفر المريح، نظرا لخدماتها المتدنية والروائح الكريهة المنبعثة من دورات المياه،  ومع ذلك يلزم المسافرون بدفع ثمن وجبات رديئة بعملة الأورو بدل الدينار. وما يحزّ في نفوس المغتربين الجزائريين، هو أن بواخر بلدهم التي تنقل المسافرين من وإلى أوروبا، لا يمكن مقارنتها حتى ببواخر دول الجوار على غرار تونس والمغرب!

القطارات هي الأخرى أصبحت تصدّر العذاب بدل السفر المريح والممتع، وسط المتاحف الطبيعية التي يزخر بها الوطن. لقد دمّرنا كل شيء جميل بفعل سلوكياتنا غير الحضارية، بعدما غدا التخريب ورمي بقايا الطعام والشراب هواية يمارسها الركاب، في حين لا يتوانى بعض المرضى نفسيا عن رجم القطارات التي تعبر تجمعاتهم السكنية بالحجارة.

وباختصار، فإنّ السياحة لن تقوم لها قائمة في هذا البلد وخطوطنا الجوية والبحرية تصنّف عالميا في المراتب الدنيا، لن نحقق الوثبة في قطاع النقل ما لم تكن لدينا الجرأة لنعترف بفشلنا ونحاول إيجاد الحلول للوضع المتردي الذي وضعنا فيه أنفسنا. نملك رؤوس الأموال وكوادر بشرية مؤهلة بإمكانها أن تقودنا إلى الأمام، لكن ما زلنا للأسف لقمة سائغة للفشل برّا وبحرا وجوّا!

مقالات ذات صلة