-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
يستكشف العوالم الرقمية وتأثيراتها في عصر اللاّيقين

“فخاخ الحداثة وسطوة الشاشات”…كتاب لافت في المعرض الدولي

ع.ع
  • 384
  • 0
“فخاخ الحداثة وسطوة الشاشات”…كتاب لافت في المعرض الدولي

تزامنا مع المعرض الدولي للكتاب، صدر للكاتب والباحث عبد العالي زواغي، في حلة إخراجية أنيقة، عبر 245 صفحة، كتاب جديد عن دار فهرنهايت، موسوم بعنوان” فخاخ الحداثة وسطوة الشاشات، من نسق العقلانية والمعرفة إلى الهيمنة والمابعديات”، حيث تضمن بين دفتيه قراءات واجتهادات غاصت في عمق العديد من الإشكاليات المعرفية المعاصرة، لا سيما في مجال الإعلام والمنصات الاجتماعية التي تعتبر كمنتجات حداثية، والتفاعلات والتغيرات التي انولدت عنها، وباتت تؤثر على الأفراد والمجتمعات والشعوب بشكل جذري.

قدّم للكتاب أستاذ الإعلام بجامعة قطر، البروفيسور الجزائري “الصادق رابح”، حيث اعتبر أن ما جاء في الكتاب بمثابة تعبير مكثف عن خطاب غير مهادن يسائل الكثير من الإشكاليات المعاصرة ، ويجاهر بتسمية الأشياء بمسمياتها دون مراءاة، فالباحث “مسكون” بهذا المد الجارف للتكنولوجيات الرقمية وإعادة هندستها لما يسميه لوسيانسفاز “الإنسان الكسول.” ، ومحاولة  القبض على رهانات الحقيقة المبعثرة بين الهوامش وخلف الكواليس، في رحلة سندبادية ترحل بالقارئ عبر محطات فكرية متنوعة وثرية، تحمل عناوين جميلة تشدّه شدا إلى متن يتّسم بثراء مصطلحاته ومفاهيمه ومقارباته وموضوعاته.

وقد قسم الكاتب محتوى الإصدار، إلى أربعة فصول متكاملة ومتجاسرة، ابتدأها بفصل أسماه”العقلانية في عصر اللايقين”، والذي تفرع عنه اثنا عشر بابا، افتتحها بموضوع حول “ثمار العقل الآثم”، حين تحالفت السياسة مع الشركات المتخصصة في التكنولوجيات الرقمية واستثمرت العلم في بسط سيطرتها على المجتمعات، وإعادة هندسة سلوك الأفراد بما يتماشى ومصالحها، فعالم اليوم يسوقه، حسب الباحث، “ملوك الأعمال”؛ وهم سحرة العصر، حيث اجتمعت في أيديهم ثروة وسلطة لم تجتمع لغيرهم من قبل، وغدوا قادرين على إعادة تشكيل الإرادة الجماعية للشعوب من خلال آليات اختراق وتضليل تزداد تعقيدا يوما بعد يوم. فـ”الملحمة الإنسانية الكبرى” بعبارة ألبير باييه، كما يذكر الباحث، عادت  رجع نواح ، فهذا الكائن الذي انتقل من “الارتجاف” إلى “المعرفة” لم يعد يملك زمام الأمور وأصبح خاضعا “لحكم الخوارزميات”، يطارده الذباب الإلكتروني أينما حل وارتحل في هذه الفضاءات الرقمية غير المتناهية ليجعل منه كائنا هشا لا يتجاوز سقف وجوده تجميع “لايكات” من هنا وهناك.

وتتوالى في هذا الفصل قضايا أخرى، من قبيل “عصر اللايقين”،”الحداثيون والأخلاق”، “محنة التفكير المختلف في عالم سطحي”، “التفكير لا يقتل والأسئلة لاتموت”،”ثورات الاسترداد الحضاري” وغيرها من الأبواب المنفتحة على عالم اليوم بتشعباته وتناقضاته ونكوصه.

أما في الفصل الثاني الذي جاء تحت مسمى “حضارة الشاشات”، وتفرع عنه إحدا عشر بابا، ابتدأه بباب حول”مأزق الزمن الرقمي وفخ التقانة”، حيث يرحل بنا الكاتب في رحلة تروم استكشاف عوالم الزمن الرقمي بغرائبيته ومطباته التي لا تنتهي، محذرا من الاستغراق في “خمرة النقر وملامسة الشاشة والانغماس المفرط في مواقع التواصل الاجتماعي”، ومشدّدا على ضرورة الوعي بأن هذا الواقع “فوق الواقعي”، بعبارة بودريار، يقود المجتمعات إلى فواجع تتجلى مظاهرها يوما بعد يوم في حالات الانفصام وأمراض العصر المتكاثرة، وتراجع بل سقوط دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية والثقافية التي شكّلت إلى فترة قريبة مرجعيات يحتمي بها الأفراد من التيه. فحينما تجتمع “الأقانيم الثلاثة” بعبارة الباحث “اللّذة والسّلطة والمال” وتٌوَثَّن، فذلك” مؤذن بخراب العمران” كم يقول ابن خلدون.

لتأتي الأبواب تترى حول التفاعلات والقضايا المرتبطة بالشاشات الحديثة والتدفقات المعلوماتية الهائلة ، والتي تدخل ضمن الحضارة الرقمية أو “حضارة الأصبع” بتعبير”يوخن هوريش”،المفكر المعاصر وأستاذ الدراسات الألمانية الحديثة وتحليل وسائل الإعلام بجامعة”مانهايم”.

أما في الفصل الثالث، فقد خصصه الكاتب للحديث حول عصر الذكاء الاصطناعي، متطرقا إلى بعض القضايا الإشكالية المتعلقة بهذا المجال الذي يتطور بسرعة أسية، مؤثرا على الكثير من المجالات حتى على الطقوس الدينية والعبادات.

وفي الفصل الرابع، الذي حمل عنوان “العلم والشاشة في زمن الصراع”، واحتوى على خمسة أبواب، غاص من خلالها في العلاقة التي تربط بين الصراعات والعلوم الحديثة وتوظيفها للإعلام ووسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، في التأثير على الخصوم وحسم المعارك الهجينة التي باتت أكثر ضراوة على هذه المنصات، لتوسلها بتقنيات ونظريات نفسية واجتماعية متعددة، ومراقبة كل شاردة وواردة تحدث في العوالم الرقمية؛ ومن بين الأبواب نجد “حروب السرديات، ملامح المواجهة الإعلامية بين الغرب وروسيا”،”نبوءات النهاية،حضور الإسكاثولوجيا في خطابات الحرب” وغيرها.

إجمالا، يأخذنا الكاتب من خلال محتوى الإصدار، كما يقول البروفيسور صادق رابح في تقديمه، في رحلة فكرية تجمع بين الماتع والممتع، إذ يستثمر معجما لغويا ثريا وعدة مفاهيمية غنية واجتهادات متنوعة و”خلطة” عجيبة جمعت بين المشرق والمغرب وتحضر فيها اجتهادات “بودريار”و”فوكو” “المسيري”و”باييه”و”تودوروف”و”أركون”و”أرسلان”و”ليبوفتسكي” و”موران” و”هابرماس”و مدرسة فرانكفورت وغيرهم. وهو يستحضر هؤلاء في إثراء رؤاه وتعظيم حجته، ربما ليقول لنا، تأسّيا بإسحاق نيوتن، أنه رأى أبعد من غيره لأنه وقف على “أكتاف هؤلاء العمالقة” من الباحثين الذين سبقوه، أما الخيط الناظم لهذا السّفر الذي بين أيدينا فهو “الحداثة وفخاخها وسطوة الشاشات” وربما أيضا ما بعد الحداثة أيضا في تجليها الأبرز وهو هذا الحضور المتعاظم لخطابات ما بعد الحقيقة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!