الرأي

فرعون يخاطبكم

لم يحدث في تاريخ البشرية، وأن طلب جنرال هو في الأصل الحاكم الأول للبلاد، من الشعب أن يفوّضه لمحاربة، ما أراده هو وتمنّاه أن يكون إرهابا، بالخروج إلى الشارع في أغرب استفتاء يحدث في العالم لمباركة خطوات عملية في حق الإخوان المسلمين. وإذا كانت مصر قد عرفت على مدار تاريخها الطويل نماذج من الحكام الطواغيت من فرعون وهامان وكافور الإخشيدي والحاكم بأمر الله، ووصولا إلى أنور السادات وحسني مبارك، فإنها لم تبلغ هذا الدرك الأسفل أبدا مع المسمّى السيسي، الذي أعاد المصريين إلى سنوات الخديوي، حيث العسكر هو الآمر والناهي والحاكم والمحكوم، وإذا كانت للفتن التي تهزّ المجتمعات أطراف صراع واضحة، كما حدث في الجزائر، ويحدث في سوريا، فإن السيسي أراد أن يُدخل الشعب هذا الصراع ويمسح فيه موسى الفتنة التي صارت على ضفاف النيل، ويُورّطه تاريخيا في حرب ستنسف آخر نسمة من ربيع كنا مُتيقنين أنه سينطلق من مصر بعد ثورة طرد حسني مبارك التي أذهلت العالم.

الذين صرعهم منطق السيسي وجماعته، ليسوا بالضرورة من الإخوان المسلمين، بل ومنهم من لا يتوافقون إطلاقا مع الحكم باسم الدين الإسلامي، ولكن نسف قطار الشرعية، قبل بلوغه أول محطة له، يعني أن العسكر الذي قلب الحكم، لن يُقلبه مرة أخرى، لأنه سيعيّن بنفسه الرؤساء مستقبلا على مقاس أصحاب القبعة والرشاش، كما هو حاصل في الكثير من البلدان، مما يعني أن كل هاته الأشهر التي عاشتها مصر منذ إجبار الرئيس السابق على التنحّي، إنما كانت أشهرا بيضاء، عاش فيها المصريون في الشوارع في مليونيات جمّدت قرابة مليون نسمة عن الحياة.

في أساطير “الفتوّة” في مصر، الكثير من قصص المازوشية التي تبيّن أن بعض الشعوب، كما قال المفكر مالك بن نبي، لها القابلية على الاستعمار، فالناس لا تحلو لها الحياة إلا بوجود آمر وناه يتجبّر عليهم، بيده سوط يُؤدب به من يخالف أوامره، على قناعة بأن الشعب لا يقدر على التفكير والعمل وأيضا على اختيار من يحكمه، والسيسي وجماعته مقتنعون مثل الاستعمار بأن هاته الشعوب يجب أن تُقاد مثل المواشي، وأن يُختار لها من يتحكّم في رقابها. فقد قرر الانقلاب على الرئيس محمد مرسي دون أن يستشير أحدا، وعندما حان موعد المذبحة الكبرى، طلب من الشعب أن يُخرجوا سكاكينهم، ويباشروا عملية الذبح، ليتقدم هو بعد ذلك لاختيار ضحاياه، فينفذ ما نوى عليه الشعب ونادى به في المليونيات المزعومة.

 

منذ قرون خلت، قال فرعون موسى لوزيره هامان: “ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب، أسباب السماوات، فأطلع إلى إله موسى، وإني لأظنه كاذبا”. وقال لشعبه: “ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد”.. وأعاد التاريخ نفسه.. ولكن للأسف من دون موسى. 

مقالات ذات صلة