-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فرنسا.. من العنصرية إلى الفاشية

حسين لقرع
  • 1336
  • 0
فرنسا.. من العنصرية إلى الفاشية

ليس لدينا ذرّة شكّ في أنّ الفرنسيين جميعا، سلطة وأحزابا وإعلاما ومثقفين وغيرهم، لم يكونوا ليتردّدوا لحظة واحدة في وصف قاتل الأكراد الثلاثة بباريس رميًا بالرصاص، بـ”الإرهابي” لو كان مسلما..

وحتى لو قتل مسلمين مثله، أما وقد اتّضح بأنّه فرنسيٌّ مسيحيُّ الديانة ويمينيٌّ متطرّف، فقد اكتفى الفرنسيون بعد طول تردّد وحرج بإطلاق صفة “العنصريّ” على القاتل، وزعموا أنّه أطلق على نفسه هذه الصفة البغيضة خلال التحقيق معه؟! في حين حاول جزءٌ من الإعلام الفرنسي حرْفَ النقاش باتجاه العلاقة السيّئة بين تركيا وأكرادها، لتبرئة ساحة اليمين الفرنسي المتطرِّف من الجريمة وإلقائِها على عاتق نظام أردوغان!

بعدها تواصلت محاولات التنصّل من الجريمة وتبرئة القاتلِ وإيديولوجيته اليمينية العنصرية، من خلال إعلان الشرطة الفرنسية تحويل المجرم إلى مصحّة نفسية تابعة لها، تمهيدا لاعتباره مختلا عقليا أو نفسيا، ومن ثمة تبرئته لاحقا، وهي المسرحية السّمجة التي شاهدناها في العديد من الدول الغربية التي أقدم فيها يمينيون متطرّفون على عمليات قتل بشعة تتحوّل إلى مذابح أحيانا يذهب ضحيتها العشرات، كما حدث لمصلّين مسلمين في نيوزيلندا في 2019، وفي كلّ مرة يصدر عن سلطات البلدان المعنية تصريحٌ مشابه: “الجريمة نفذها مختلٌّ عقليا غير مسؤول عن أفعاله”، ولا أحد يتحدّث عن دين هؤلاء القتلة أو إيديولوجيتهم القائمة على كراهية الآخر ونبذه واضطهاده.

هذه الإيديولوجية العنصرية التي تروّج لها أحزابٌ يمينية متطرّفة تعمل بشكل قانوني في فرنسا والغرب عموما، وبعضها وصل إلى الحكم، هي التي تسبّبت في مقتل الأكراد الثلاثة بدم بارد على يد عنصريٍّ فرنسي يبلغ من العمر 69 سنة، ما كان ليُقدِم على ارتكاب جريمته، بكلّ هذا الإصرار والترصّد والحقد، لولا تشبُّعه حتى التخمة بخطاب كراهية الأجانب الذي ظلّ يضخّه اليمينُ الفرنسيُّ العنصري منذ عهد ماري لوبان إلى عهد ابنته مارين لوبان.. هذا الخطابُ الذي ينضح كراهية واحتقارا للأجانب ظلّ يُردَّد عقودا طويلة، ومع ذلك لم تفكّر فرنسا قطّ في حظره وتجريمه رغم خطورته، بل إنها بدأت تتبنّاه رسميّا عبر استسهال الاعتداء على مقدّسات المسلمين واستفزازهم بإهانة رسولهم الكريم واعتبار ذلك “حرية تعبير”، كما قال الرئيس ماكرون مرارا، فضلا عن سنّ قوانين تضيِّق على الحجاب والمساجد والمهاجرين بفرنسا، في حين تتسامح الجمهوريةُ مع اليمين المتطرِّف إلى درجة أنّ قاتل الأكراد الثلاثة كان قد هاجم بسكّينٍ مخيَّمَ لاجئين سودانيين وإثيوبيين في ديسمبر 2021، ولكنّ عقوبته كانت خفيفة ولم يقض سوى سنة واحدة في السجن، لم تكن كافية لردعه فعاد واقتنى مسدَّسا هذه المرة وارتكب جريمته ضد الأكراد بعد أيام قليلة من إطلاق سراحه!

الخطابُ اليمينيّ المتطرّف بدأ يتحوّل إذن إلى فاشيةٍ قاتلةٍ ضدّ المهاجرين المسلمين في فرنسا وحتى في أوروبا والغرب كله، ما يُنذر بنهايةٍ مأساوية لعقودٍ طويلة من التسامح والتعايش، وتحويل حياة ملايين المهاجرين إلى جحيم، خصوصا مع تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في أوروبا بفعل تداعيات حرب أوكرانيا وتصاعد التضخُّم وغلاء المعيشة، وقد تتطوّر الأمور إلى الأسوإ ونشهد ميلاد ميليشيات مسلّحة يمينية متطرفة تستهدف مهاجرين بشكل منتظم قد يقابلها المهاجرون بأفعال عنفٍ انتقامية، ما يحوّل هذه البلدان إلى ساحات مواجهات وتوتّرات لا تنتهي، ذلك أنّ وصول أحزاب يمينية متطرِّفة إلى الحكم في أكثر من بلد أوربي لا يبشّر بخير.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!