-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“فلّوجة” الإباء تفضح المخادنين والعملاء

سلطان بركاني
  • 2384
  • 0
“فلّوجة” الإباء تفضح المخادنين والعملاء

منذ نكبة الاحتلال الأمريكيّ للعراق سنة 2003م، وبلاد الرافدين تعاني ويلات تطهير طائفيّ ممنهج، برعاية ومباركة أمريكية سامية، تمارسه مليشيات تموّلها وتدرّبها إيران وتوجّهها قيادات خائنة دخلت العراق على ظهر الدبّابة الأمريكيّة، تذرّعت في البداية بتصفية البعث وفلوله، ثمّ تلقّفت في السّنوات الأخيرة ذريعة جديدة هي محاربة “داعش” والجماعات التكفيريّة، وانطلقت مدفوعة بأحقاد طائفية ومذهبيّة مقيتة تزحف على المدن السنية، المدينة تلو الأخرى، وتمارس أبشع صنوف الإبادة والحصار والتّجويع والتّهجير على أساس الطّائفة والمذهب وحتى العشيرة والاسم، تحت مظلّة الطيران الأمريكيّ المبارك! وفي ضوء المخطّطات التي يرسمها قادة الحرس الثوريّ الإيرانيّ على ثرى عراق الحضارة والصّمود.

بعد 13 سنة من الإرهاب “المبارك”، هاهو مسار الزّحف الطائفي يصل بعملاء أمريكا وإيران إلى مشارف مدينة الفلّوجة التي كانت ولا تزال غُصة في حلوق الاحتلال الأمريكي وحلوق عملائه، وهاهم قادة مليشيات الحشد الطائفي ومغاوير الأمن يتوعدون أكثر من 10 آلاف عائلة سنية محاصرة في هذه المدينة منذ أكثر من عامين، بالويل والثبور وعظائم الأمور، وينذرونها بانتقام لا يُبقي ولا يذر.. لم يسلم الأطفال ولا النّساء من حقدهم، بل ولم تسلم بيوت الله من دغائلهم التي امتزجت بدغائل حلفائهم الأمريكان، ولعلّ العدوان الآثم الذي تعرّض له مسجد “الرّقيب” في حي ‫‏الجولان بمدينة ‫‏الفلوجة، يوم الاثنين الماضي، عندما كان هدفا مشتركا للطيران الأمريكي ولصواريخ الحشد الشيعي، يعطي صورة واضحة لأهداف هذه الحملة المشتركة بين بيادق إيران وقوات التحالف الدولي بقيادة الشّيطان الأكبر؛ حملة أبان الإرهابيّ المدعو “أبو عزرائيل” عن أهدافها عندما توعّد يوم الأربعاء الماضي أهالي الفلّوجة، وأنذرهم بأنّ حشده الطائفيّ سيدمر كل شيء في المدينة، حتى حاضنات الأطفال! وقبله قال طائفيّ من بني جلدته: “في هذا التوقيت أطالب كلّ مقاتل يخوض معركة الفلوجة حتى لو وجد خلاف فكري بيننا؛ أطالبه بعدم رحمة الفلوجيين؛ لو كنتَ في حالة نشوة تمتّع بالفلوجييات، لا ترحمهن، ولو كنت متعطّشا للدم، اغسل وجهك بدم أطفال الفلوجة.. عزيزي المقاتل، لا ترحم فلوجيا حتى لو كان أبي”!!!

الفلوجة تدفع ثمن صمودها الأسطوريّ في وجه المحتل الأمريكيّ، وثمن فضحها لأحفاد أبرهة من عملاء أمريكا وإيران، لذلك فهم الآن يحشدون الحشود لأخذ الثأر من أهل هذه المدينة الذين ألحقوا بالخونة والعملاء عارا لا تغسله عن وجوههم مياه دجلة والفرات، فقبل 13 سنة، وبينما كان أهل السنة عامّة وأهالي الفلّوجة خاصّة يسطرون أروع الملاحم في تلقين المحتل الصليبي دروسا في الصمود والإباء، اضطرته إلى استعمال الأسلحة المحرّمة دوليا لاحتلال هذه المدينة، كان الطائفيون من عملاء أمريكا وإيران يستنسخون خيانة جدّهم ابن العلقميّ، ويضعون أيديهم في يد المحتلّ الأمريكيّ، ويستقبلون جنوده بالورود والرياحين، ويقبّلون الأيدي وربّما الأرجل، وهي الحقيقة التي أشار إليها بيان هيئة علماء العراق الأخير بخصوص ما يدبّر للفلوجة حينما قال: “إنّ هيئة علماء المسلمين ترى في هذا العدوان الظالم انعكاسًا للروح الانتقامية، التي تحملها قوى الشرّ ضدّ هذه المدينة لصمودها الذي يشهد له الجميع، زيادة على إفشالها مشاريع ومخططات الاحتلالين (الأمريكي والإيراني)، ونتيجة متوقّعة للسياسات الظالمة، التي اتبعتها أمريكا باحتلالها العراق، وفتحها أبوابه مشرعة لإيران لتعيث فيه فسادًا وتدميرًا”.

هكذا يودّ أولئك الذين سوّدوا تاريخهم بالخيانة والعمالة، أن تُمحى الفلوجة من الوجود، ويُباد أهلها ويصبحوا خبرا بعد عين، حتى لا يبقى على أرض الرافدين شاهد على “العلاقمة” الجدد، ولعلّه لم يكن كافيا أن تتحرّك المليشيات الطائفية لتؤدي هذه المهمة القذرة، حتى تدخّل الجنرال الدمويّ قاسم سليماني قائد ما يسمّى “فيلق القدس” الإيرانيّ، ليتباهى بنشر صوره وسط قادة مليشيات الحشد الطّائفيّ خلال اجتماعات مشتركة تعقد لإعداد الخطط اللازمة للزحف على الفلوجة تحت مظلّة الطيران الأمريكي وحمايته، وحتى تجشّأ القيادي البارز في الحرس الثوري الإيراني “إيرج مسجدي”، المستشار الأعلى لقاسم سليماني، ليتباهى هو الآخر بمشاركة إيران في معركة الفلوجة بكلّ قوة، وبدخول الحرس الثوري الإيراني بضباطه في المعركة “لأجل أن تبقى إيران مركزا للتشيّع في العالم” على حدّ تعبيره!.. وتوالى إلقاء الأقنعة عندما أشار “أبو مهدي المهندس” القيادي في مليشيات الحشد الطّائفيّ إلى أنّ الهجوم على مدينة الفلوجة إنّما يأتي في ذكرى ولادة المهدي المنتظر الموافقة للـ15 من شهر شعبان!

إنّه ما عاد ينفع إعلام الدّجل أن يتخفّى خلف دعاوى محاربة الإرهاب التي سوّق لها الاستكبار العالميّ وانقاد لها “الأعراب” طوعا وطمعا، وتماهى معها دهاقنة المشروع الصفويّ لخدمة أجنداتهم الطائفية على حساب قضايا الأمّة وآلامها.. ما عاد مجديا أن تُغطّى الشمس بالغربال بعد أن أُزكمت الأنوف بروائح الخيانات التي استمرأها أدعياء الوطنية والقوميّة، وبعد أن أسفرت الأحداث المتلاحقة عن تواطؤ مقيت بين المشروع الإيرانيّ الصفويّ والمشروع الصهيو-صليبيّ في بلاد الرافدين وأرض الشّام؛ في العراق تتحرك مليشيات إيران بقيادة قاسم سليماني تحت مظلّة غطاء جوي أمريكيّ، وفي أرض الشام يتحرك بيادق إيران تحت غطاء جويّ روسيّ ينسّق على أعلى المستويات مع سلاح الجوّ الصّهيونيّ، لهدف مشترك هو منع سقوط نظام راعى حقوق الجوار مع الصهاينة على مدار أكثر من أربعة عقود من الزّمان.

كما اكتشفت الأمّة حقيقة أدعياء الوطنية والقومية الذين مدّوا بحبال الودّ إلى أعدائها ومكّنوهم من أراضيها ومقدّساتها، لقاء الحفاظ على عروشهم وكراسيهم، هي الآن تكتشف حقيقة أدعياء المقاومة والممانعة الذين يلقون بالمودّة إلى أعداء الأمّة سرا ويستعينون بهم لقضاء مآربهم الطائفية والوصول إلى أهدافهم في بناء كياناتهم على حساب كيان الأمّة.. إنّ الفرق بين ما يقوم به معسكر الممانعة وبين ما يقوم به معسكر الانبطاح، كالفرق بين المخادنة والسّفاح، فكما لا يُقبل من المجاهر بالزنا أن يحاضر عن الشّرف، لا يُقبل أيضا من المخادن أن يحاضر عن المقاومة والممانعة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!